كثير بن عبد الله، وهو كثير بن زيد نفسه، مرة نسب إلى أبيه ومرة إلى جده، ثم أبوه أيضا نحوه والثالثة من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف، ثم لو صح، وهو لا يصح، لكان حجة لنا عليهم، لان فيه إضافة النبي صلى الله عليه وسلم الشروط إلى المسلمين، ولا شروط للمسلمين إلا الشروط التي أباح الله تعالى في القرآن أو السنة الثابتة عقدها، لا شروط للمسلمين غيرها، لان المسلمين لا يستجيزون إحداث شروط لم يأذن الله تعالى بها هذه شروط الشيطان، وأتباعه لا شروط المسلمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة والضلالة في النار.
والعجب كله من احتجاج الحنفيين والمالكيين بهذه الاخبار، وهم أول مخالف لها. فيقولون: كل شرط في نكاح فهو باطل ما لم يعقده بيمين، ثم يتناقضون في اليمين فيجعلون يمينا ما لم يجعل الله تعالى قط يمينا ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي تناقض أكثر من هذا. وأيضا ففي الخبر المذكور: الناس على شروطهم ما وافقوا الحق ولعمري لو صح هذا لكان من عظيم حجتنا عليهم، لأنه أبطل كل شرط لم يوافق الحق، ولا يوافق الحق شئ إلا أن يكون في القرآن، أو في حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا القول فيما روي عن عمر: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا فعاد كل ما شغبوا فيه - من صحيح ثابت أو باطل زائف - حجة لنا عليهم. والحمد لله رب العالمين.
ثم نظرنا في حديث أبي جندل فوجدناه لا حجة لهم فيه، لوجوه ستة: أولها:
أنه لم يكن عقد للنبي صلى الله عليه وسلم بعد رده من جاء من قريش إليه، إذ جاء أبو جندل كما ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، نا إبراهيم بن أحمد، حدثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي - نا عبد الرزاق، حدثنا معمر، أخبرني الزهري، أنا عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - فذكر حديث الحديبية - وفيه: فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلما، فبينما هو كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم نفض