وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرنا آنفا: إن نوحا أول الرسل إلى أهل الأرض ولا شك في أن آدم رسول الله عز وجل، فإن معناه عندنا والله أعلم أن رسالة آدم عليه السلام إنما كانت لأهل السماء قائلا لهم عن الله عز وجل: * (أنبئوني بأسماء هؤلاء) * ومنبئا لهم بأسمائهم، ومسلما عليهم على ما جاء في القرآن والحديث الصحيح، وإنه لم يبعث إلى أهل الأرض أصلا، وأن أولاده وامرأته أوحي إليهم التوحيد، ثم بعث إلى كل طائفة نبي منها، ثم بعث نوح إلى قومه خاصة بشريعة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل إلى أهل الأرض بالعذاب العام لهم ولجميع الحيوان بلا شك، لا شريعة ألزموها فهذا موافق لما صح في القرآن من خبره عليه السلام.
وكل ما أرسله تعالى فبلا شك أنه إنما أرسله بأمر ما، هذا ما لا بد منه، فوجب أن يعرف بماذا أرسل إلى أهل الأرض؟ فلم نجده إلا العذاب العام لكل من في الأرض، ووجدنا النص قد جاء بإرساله إلى قومه خاصة بشريعته فصح الامر ولله الحمد.
وبهذا تتألف الأحاديث كلها والقرآن، وقد روينا في هذا الحديث تأويلا آخر: عن قتادة والحكم، وهو ما حدثناه أحمد بن عمر العذري، ثنا أبو ذر ابن احمد السرخسي، قال: ثنا إبراهيم بن خزيم قال: ثنا عبد بن حميد، قال: حدثني يونس، عن شيبان، عن قتادة قال: بعث نوح حين بعث الشريعة بتحليل الحلال وتحريم الحرام، وبه إلى عبد قال: حدثنا أبو نعيم، ثنا ابن أبي غنية، عن الحكم قال: جاء نوح بالشريعة بتحريم الأخوات والأمهات والبنات.
قال أبو محمد: فتأول هذان الامامان أن نوحا أول من بعث بالتحريم والتحليل والذي يظهر إلينا، فالذي قدمنا أولا، والله أعلم.
تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس إن شاء الله