الباب السابع والعشرون في الشذوذ قال أبو محمد: الشذوذ في اللغة - التي خوطبنا بها - هو الخروج عن الجملة، وهذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى ما، واختلف الناس في ذلك المعنى.
فقالت طائفة: الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الاجماع من كتابنا هذا، والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح، والشذوذ مذموم بإجماع، فمحال أن يكون المرء محمودا مذموما من وجه واحد، في وقت واحد، وممتنع أن يوجب شئ واحد الحمد والذم معا في وقت واحد، من وجه واحد، وهذا برهان ضروري، وقد خالف جميع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر في حرب أهل الردة، فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم، فكان هو وحده المصيب، فبطل القول المذكور.
وقالت طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر ما، ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه، وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا، وهذا المعنى لو وجد نوع من أنواع الشذوذ، وليس حدا للشذوذ ولا رسما له، وهذا الذي ذكروا - لو وجد - شذوذ وكفر معا لما قد بينا في باب الكلام في الاجماع، أن من فارق الاجماع وهو يوقن أنه إجماع فقد كفر، مع دخول ما ذكر في الامتناع والمحال، وليت شعري متى تيقنا إجماع جميع العلماء كلهم في مجلس واحد فيتفقون، ثم يخالفهم واحد منهم، والذي نقول به - وبالله تعالى التوفيق:
إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ، وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم، والجماعة والجملة هم أهل الحق، ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة، وقد أسلم أبو بكر