الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٦١
الباب السابع والعشرون في الشذوذ قال أبو محمد: الشذوذ في اللغة - التي خوطبنا بها - هو الخروج عن الجملة، وهذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى ما، واختلف الناس في ذلك المعنى.
فقالت طائفة: الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الاجماع من كتابنا هذا، والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح، والشذوذ مذموم بإجماع، فمحال أن يكون المرء محمودا مذموما من وجه واحد، في وقت واحد، وممتنع أن يوجب شئ واحد الحمد والذم معا في وقت واحد، من وجه واحد، وهذا برهان ضروري، وقد خالف جميع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر في حرب أهل الردة، فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم، فكان هو وحده المصيب، فبطل القول المذكور.
وقالت طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر ما، ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه، وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا، وهذا المعنى لو وجد نوع من أنواع الشذوذ، وليس حدا للشذوذ ولا رسما له، وهذا الذي ذكروا - لو وجد - شذوذ وكفر معا لما قد بينا في باب الكلام في الاجماع، أن من فارق الاجماع وهو يوقن أنه إجماع فقد كفر، مع دخول ما ذكر في الامتناع والمحال، وليت شعري متى تيقنا إجماع جميع العلماء كلهم في مجلس واحد فيتفقون، ثم يخالفهم واحد منهم، والذي نقول به - وبالله تعالى التوفيق:
إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ، وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم، والجماعة والجملة هم أهل الحق، ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة، وقد أسلم أبو بكر
(٦٦١)
مفاتيح البحث: الأكل (1)، الحرب (1)، الجماعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 656 657 658 659 660 661 662 663 664 665 666 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722