أن يشترط هذا الشرط، ولا أن يفي به إن شرطه، إذ ليس عنده من علم الغيب ما أوحى الله تعالى به إلى رسوله، وبالله تعالى التوفيق.
والوجه الرابع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد من رد المسلمين إلى المشركين، إلا أحرارا إلى أهلهم وآبائهم وقومهم، والمخالفون في هذا لا يردون المسلمين الأحرار إلا عبيدا إلى الكفار الذين يعذبونهم أشد العذاب، ويأتون الفاحشة المحرمة في النساء وربما قتلوهم، فما ندري كيف يستسهل مثل هذا مسلم.
والوجه الخامس: أن أبا سعيد الجعفري حدثنا قال: نا محمد بن علي بن الأدفوي، نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، عن أحمد بن شعيب، عن سعيد بن عبد الرحمن، نا سفيان، عن الزهري - قال سفيان: وثبتني معمر بعد ذلك عن الزهري - عن عروة بن الزبير قال: إن المسور بن مخرمة ومروان أخبراه بخبر الحديبية - فذكر الحديث، وفي آخره خروج أبي بصير وهو عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني نوفل بن عبد مناف، إلى سيف البحر، وانفلات أبي جندل بن سهيل إليه - قال: فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير لقريش تخرج إلى الشام إلا اعترضوا لهم فيقتلونهم ويأخذون أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه بالله وبالرحم إلا أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.
قال أبو محمد: فهذا أبو بصير وأبو جندل ومن معهما من المسلمين، قد سفكوا دماء قريش المعاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا أموالهم، ولم يحرم ذلك عليهم ولا كانوا بذلك عصاة، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قادرا على منعهم من ذلك لو نهاهم، فلم يفعل، فصح يقينا أنه عهد منسوخ بخلاف ما يقوله المخالفون اليوم، وإنه إنما لزم من كان بالمدينة فقط دون من كان خارجا عنها.