الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٠٥
ووجدناهم أيضا قد أجمعوا على أن الوصايا أو عاد يعدها الموصي ثم يختلفوا أن له الرجوع عنها إن شاء إلا العتق، فإنهم قد اختلفوا في جواز الرجوع عنه.
وهذا كله رجوع منهم إلى قولنا، وتناقض في قولهم: وأما نحن فلم نجز الرجوع في العتق في الوصية، لأنه عقد حض الله تعالى عليه وغبط به، وما كان هكذا فلا يجوز الرجوع فيه، لأنه عقد قد لزم إذا التزمه فلا يسقط إلا بنص، ولا نص في جواز الرجوع فيه، والعتق المؤجل جائز بخلاف الهبات المؤجلة، وسائر العقود المؤجلة، لان التأجيل شرط فلا يجوز إلا ما في كتاب الله تعالى، فلما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر ولم ينكر التدبير، صح أن العتق إلى أجل شرط في كتاب الله تعالى، فهو نافذ لازم لا رجوع فيه، بخلاف سائر العقود المؤجلة التي لا نص في إجازتها.
وأما الكلام في قوله صلى الله عليه وسلم: كان منافقا خالصا و: كانت فيه خصلة من النفاق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل فيه إنه يكون كافرا، والمنافق أصله من نافقاء اليربوع، وهو باب يعده اليربوع في جحره مخفيا مغطى بالتراب، فلما كان المسر للكفر، المظهر للايمان، يبطن غير ما يظهر، سمي منافقا لما ذكرناه، فليس كل منافق كافرا، إنما المنافق الكافر الذي يسر الكفر ويظهر الايمان، وأما من أسر شيئا ما، وأظهر غيره ففعله نفاق وليس كفرا، وهو بذلك الفعل منافق كافر، فلما كان من إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، يسرون خلاف ما يظهرون، ويقولون ما لا يفعلون، كان فعلهم ذلك نفاقا، وكانوا بذلك منافقين، ومما يصح هذا: أن المرتد عن الاسلام إلى الكفر حكمه القتل، وهؤلاء المذكورون من المخاصم الفاجر، والواعد المخلف، والمعاهد الغادر، والمؤتمن الخائن، والكذاب في حديثه، لا قتل عليهم، لأنه لا نص في قتلهم، ولا قال به أحد فضلا عن أن يكون فيه إجماع. فصح ما قلناه. والحمد لله رب العالمين.
ثم نظرنا فيما احتجوا به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لكل غادر لواء يوم القيامة فهو داخل في هذا الخبر المتقدم، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن
(٦٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 600 601 602 603 604 605 606 607 608 609 610 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722