وكذلك ما نص من صلاة أهل قباء إلى بيت المقدس، وقد كان نسخ ذلك، وأنه عليه السلام لم يقد من أسامة إذ قتل الرجل بعد قوله لا إله إلا الله، وأعلمه عليه السلام أنه قد فعل في ذلك ما لا يحل، وكذلك لم يقد صلى الله عليه وسلم بني جذيمة ممن قتلهم مع خالد بن الوليد، فهذا يبطل قول من أوجب إعادة صلاة، أو إقامة حد، أو قضاء صوم على جاهل متأول. وبذلك قضى عمر وعثمان إذ درء الحد عن السوداء المعترفة بالزنى، لجهلها بتحريمه، وهذا بين، وبالله تعالى التوفيق.
الباب الحادي والثلاثون في صفة التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفة المفتى الذي لم يفت في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الاسلام قال أبو محمد: قال الله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فبين الله عز وجل في هذه الآية وجه التفقه كله، وأنه ينقسم قسمين:
أحدهما: يخص المرء في نفسه وذلك مبين في قوله تعالى: * (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فهذا معناه تعليم أهل العلم لمن جهل حكم ما يلزمه.
والثاني: تفقه من أراد وجه الله تعالى، بأن يكون منذرا لقومه وطبقته قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * ففرض على كل أحد طلب ما يلزمه، على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه في تعرف ما ألزمه الله تعالى إياه، وقد بينا أن الاجتهاد هو افتعال من الجهد، فهو في الدين إجهاد المرء نفسه في طلب ما تعبده الله تعالى به في القرآن، وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا دين غيرهما، فأقلهم في ذلك درجة من هو في غمار العامة، ومن حدث عهده بالجلب من بلاد الكفر وأسلم من الرجال والنساء. وقد ذكرنا كيف يطلب هؤلاء علم ما يلزمهم من شرائع الاسلام، في باب إبطال التقليد من كتابنا هذا، فأغنى عن ترداده، ونذكر منه ههنا ما لا بد من ذكره، وهو أن كل مسلم عاقل بالغ من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، يلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضا بلا خلاف من أحد من المسلمين، وتلزمه الطهارة والصلاة المرضى والأصحاء،