الكتاب بعد قال: فوالله إذا لا أصالحك على شئ أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
فأجزه لي فقال: ما أنا بمجيز ذلك لك، قال: بلى فافعل ما أنا بفاعل.
قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، فهذا أمر لا يقول به المخالفون لنا أن يرد إليهم من جاء منهم قبل أن يتم التعاقد على ذلك، فكيف يحتجون بما لا يحل عندهم، أليس هذا من البلايا والفضائح؟.
والوجه الثاني: أنه كما ترى لم يرده عليه السلام إلا حتى أجازه من لا تقدر قريش على معارضته، وهو من رهط سهيل بن عمرو، لأنه سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، والذي أجار أبا جندل هو مكرز بن حنفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث بن منقذ ابن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي من سادات بني عامر بن لؤي، فبطل تعلقهم برد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل، إذ لم يرده إلا بجوار وأمان.
والوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد إلى الكفار أحدا من المسلمين في تلك المدة، إلا وقد أعلمه الله عز وجل أنهم لا يفتنون في دينهم، ولا في دنياهم، وأنهم سينجون ولا بد. كما حدثنا عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عفان، نا حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس: أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاء منا رددتموه علينا، قالوا: يا رسول الله: أتكتب هذا؟ قال:
نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجا ومخرجا.
قال أبو محمد: قد قال الله عز وجل واصفا لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فأيقنا أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن من جاءه من عند كفار قريش مسلما فسيجعل الله له فرجا ومخرجا: وحي من عند الله صحيح لا داخلة فيه، فصحت العصمة بلا شك من مكروه الدنيا والآخرة لمن أتاه منهم حتى تتم نجاته من أيدي الكفار، لا يستريب في ذلك مسلم يحقق النظر. وهذا أمر لا يعلمه أحد من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحل لمسلم