من جملة المختلفين، وأن أولئك الذين اعتصموا بحبل الله تعالى للرحمة فهذا صحيح لا شك فيه، وذم الاختلاف وخروجه من الرحمة باق بحسبه، وممن قال بهذا من السلف الصالح عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، كما كتب إلى المهلب، عن ابن مناس، عن ابن مسرور، عن يونس بن عبد الاعلى، أخبرني ابن وهب، أخبرني عبد الله بن يزيد، عن المسعودي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قرأ هذه الآية:
* (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * قال: خلق أهل رحمته أن لا يختلفوا، قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول فيها: الذين رحمهم الله لم يختلفوا.
قال أبو محمد: معنى قولنا الاختلاف في الدين غير جائز، إنما هو أن طاعة أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز خلافها البتة، وليس فيما جاء من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تخالف، إنما هو محكم أو خاص من جملة مخصوصة منها، أو ناسخ ومنسوخ فقط، وإذ لا حق إلا فيما جاء من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلاف الحق لا يحل، هذا أمر لا يخفى صوابه على أحد، كما أن الثلاثة أكثر من الاثنين، وبالله تعالى التوفيق.
الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل قال أبو محمد علي بن أحمد: ذهبت طائفة إلى أن كل مجتهد مصيب، وأن كل مفت محق في فتياه على تضاده، واحتجوا بما روي عن عثمان رضي الله عنه إذ سئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية.
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في ذلك لوجوه: أحدها: أن قول عثمان وقول كل أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم قبوله إلا بموافقة نص قرآن أو سنة له أو إجماع. والثاني: أن كل ما يأتي بعد هذا إن شاء الله عز وجل من البراهين في إثبات أن الحق في واحد مبطل لتأويلهم الفاسد، وهي دلائل كثيرة جمة. والثالث أن عثمان لم يرد ما ذهبوا إليه من كون الشئ حراما حلالا معا في وقت واحد، على إنسان واحد، فهذا غاية المحال الممتنع، وإنما أراد أنه لم يلح له فيها حكم يقف عليه، لأنه رأى قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ورأى قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) *.