الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٤٧
من جملة المختلفين، وأن أولئك الذين اعتصموا بحبل الله تعالى للرحمة فهذا صحيح لا شك فيه، وذم الاختلاف وخروجه من الرحمة باق بحسبه، وممن قال بهذا من السلف الصالح عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، كما كتب إلى المهلب، عن ابن مناس، عن ابن مسرور، عن يونس بن عبد الاعلى، أخبرني ابن وهب، أخبرني عبد الله بن يزيد، عن المسعودي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قرأ هذه الآية:
* (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * قال: خلق أهل رحمته أن لا يختلفوا، قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول فيها: الذين رحمهم الله لم يختلفوا.
قال أبو محمد: معنى قولنا الاختلاف في الدين غير جائز، إنما هو أن طاعة أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز خلافها البتة، وليس فيما جاء من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تخالف، إنما هو محكم أو خاص من جملة مخصوصة منها، أو ناسخ ومنسوخ فقط، وإذ لا حق إلا فيما جاء من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلاف الحق لا يحل، هذا أمر لا يخفى صوابه على أحد، كما أن الثلاثة أكثر من الاثنين، وبالله تعالى التوفيق.
الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل قال أبو محمد علي بن أحمد: ذهبت طائفة إلى أن كل مجتهد مصيب، وأن كل مفت محق في فتياه على تضاده، واحتجوا بما روي عن عثمان رضي الله عنه إذ سئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية.
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في ذلك لوجوه: أحدها: أن قول عثمان وقول كل أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم قبوله إلا بموافقة نص قرآن أو سنة له أو إجماع. والثاني: أن كل ما يأتي بعد هذا إن شاء الله عز وجل من البراهين في إثبات أن الحق في واحد مبطل لتأويلهم الفاسد، وهي دلائل كثيرة جمة. والثالث أن عثمان لم يرد ما ذهبوا إليه من كون الشئ حراما حلالا معا في وقت واحد، على إنسان واحد، فهذا غاية المحال الممتنع، وإنما أراد أنه لم يلح له فيها حكم يقف عليه، لأنه رأى قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ورأى قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) *.
(٦٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 642 643 644 645 646 647 648 649 650 651 652 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722