الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد صلى الله عليه وسلم أيلزمنا اتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟
قال أبو محمد رحمه الله: قد ذكرنا الوجوه التي تعبدنا الله تعالى بها، والتي لا حكم في شئ من الدين إلا منها. وهذا حين نذكر إن شاء الله تعالى الوجوه التي غلط بها قوم في الديانة، فحكموا بها وجعلوها أدلة وبراهين، وليست كذلك، والصحيح أنه لا يحل الحكم بشئ منها في الدين وهي سبعة أشياء: شرائع الأنبياء السالفين قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والاحتياط والاستحسان والتقليد. والرأي، ودليل الخطاب. والقياس. وفيه العلل. ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون هذه الأوجه بابا بابا. ومبينون وجه سقوطها وتحريم الحكم بها. وبالله تعالى نتأيد.
فأما شرائع الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالناس فيها على قولين: فقوم قالوا: هي لازمة لنا ما لم ننه عنها، وقال آخرون: هي ساقطة عنا، ولا يجوز العمل بشئ منها، إلا أن نخاطب في ملتنا بشئ موافق لبعضها فنقف عنده، ائتمارا لنبينا صلى الله عليه وسلم: لا اتباعا للشرائع الخالية.
قال أبو محمد: وبهذا نقول، وقد زاد قوم بيانا فقالوا: إلا شريعة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: أما شريعة إبراهيم عليه السلام فهي هذه الشريعة التي نحن عليها نفسها: والبراهين على ذلك قائمة سنذكرها إن شاء الله تعالى، وإنما الاختلاف الذي ذكرنا في ما كان من شرائع الأنبياء عليهم السلام موجودا نصه في القرآن أو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ليس في القرآن ولا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فما نعلم من يطلق إجازة العمل بذلك إلا أن قوما أفتوا بها في بعض مذاهبهم، فمن ذلك تحريم بعض المالكيين لما وجد في ذبائح اليهود ملتصق الرئة بالجنب، وهذا مما لا نص في القرآن ولا في السنة على أنه حرم على اليهود، نعم ولا هو أيضا متفق عليه عند اليهود، وإنما هو شئ انفردت به الربانية منهم.