ما قد جاء اليقين بأن من لم يقله لم يكن مسلما - فهو كاذب آفك مفتر ونعوذ بالله من الكذب على كافر واحد فكيف على ناس كثير، فكيف على مؤمن فكيف على جميع علماء أهل الاسلام، أولهم عن آخرهم. قديما وحديثا هذا أمر تقشعر منه الجلود ونعوذ بالله العظيم من الخذلان، ثم إنه لا سبيل أن يوجد في مسألة ذكر قول لكل من سمينا على قلتهم فيمن لم نسم وإنما يوجد في المسألة رواية عن بضع عشر رجلا فأقل مختلفين أيضا. ومن عنى بروايات المصنفات والأحاديث المنثورة وقف على ما قلنا يقينا. وكل هذا مبين كذب من ادعى الاجماع على غير ما ذكرنا. وبالله تعالى التوفيق.
الباب التاسع والعشرون في الدليل قال أبو محمد: ظن قوم بجهلهم أن قولنا بالدليل خروج منا عن النص والاجماع وظن آخرون أن القياس والدليل واحد، فأخطأوا في ظنهم أفحش خطأ. ونحن إن شاء الله عز وجل نبين الدليل الذي نقول به بيانا يرفع الاشكال جملة فنقول وبالله تعالى التوفيق:
الدليل مأخوذ من النص ومن الاجماع.
فأما الدليل المأخوذ من الاجماع فهو ينقسم أربعة أقسام كلها أنواع من أنواع الاجماع وداخلة تحت الاجماع وغير خارجة عنه، وهي استصحاب الحال، وأقل مقيل وإجماعهم على ترك قولة ما، وإجماعهم على أن حكم المسلمين سواء وإن اختلفوا في حكم كل واحدة منها وهذه الوجوه قد بيناها كلها في كلامنا في الاجماع فأغنى عن تردادها. وبالله تعالى التوفيق.
وأما الدليل المأخوذ من النص، فهو ينقسم أقساما سبعة كلها واقع تحت النص: أحدها: مقدمتان تنتج نتيجة ليست منصوصة في إحداهما كقوله صلى الله عليه وسلم:
كل مسكر خمر وكل خمر حرام النتيجة: كل مسكر حرام، فهاتان المقدمتان دليل برهاني على أن كل مسكر حرام.