الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف قال أبو محمد: قال قوم: هذا مما يسع فيه الاختلاف.
قال أبو محمد: وهذا باطل والاختلاف لا يسع البتة، ولا يجوز لما نذكره بعد هذا، وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الاسلام، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى ببيان الدين فقال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * ولا مزيد. وقال تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي فما صح في النصين أو أحدهما فهو الحق، ولا يزيده قوة أن تجمع عليه أهل الأرض، ولا يوهنه ترك من تركه، فصح أن الاختلاف لا يجب أن يراعى أصلا. وقد غلط قوم فقالوا: الاختلاف رحمة، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
قال أبو محمد: وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا. هذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط، وأما الحديث المذكور فباطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية:
أحدها: أنه لم يصح من طريق النقل. والثاني أنه صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يأمر بما نهى عنه وهو عليه السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسره، وكذب عمر في تأويل تأوله في الهجرة، وكذب أسيد بن حضير في تأويل تأوله فيمن رجع عليه سيفه وهو يقاتل، وخطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدة، وقد ذكرنا هذا المعنى في باب إبطال التقليد من كتابنا هذا، مستوعبا فأغنى عن إيراده ههنا، وفيما ذكرنا كفاية. فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة، أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ، فيكون حينئذ أمر بالخطأ، تعالى الله عن ذلك، وحاشا له صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة، وهو عليه السلام قد أخبر أنهم يخطئون، فلا يجوز أن يأمرنا باتباع من يخطئ إلا أن يكون عليه السلام