الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٠٢
فالداخلة بنكاح طالق، وإن تسرى عليها فالسرية حرة، وإن غاب عنها مدة كذا أو أرحلها فأمرها بيدها تطلق نفسها أو تمسك، فكل هذا معاص وخلاف لأمر الله تعالى، وتعد لحدود الله، لان الله تعالى لم يجعل قط أمر امرأة بيدها إلا المعتقة ولها زوج فقط، بل جعل أمر النساء إلى الرجال وبأيديهم، فقال تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * وجعل الطلاق إلى الرجال لا إلى النساء، فقال تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * ولم يجعل طلاقا قبل نكاح، ولا عتقا قبل ملك، فمسمى كل حكم مما ذكرنا حلالا، مفتر على الله تعالى، منهي عن كل ذلك، فصح أنها عقود باطل لا يصح شئ منها.
وكذلك بين الله تعالى حكم الطلاق، فجعله في كل حال واقعا إذا وقع حيث أطلق الله تعالى إيقاعه، وغير واقع حيث لم يطلق الله تعالى إيقاعه، فمن طلق إلى أجل أو أخرج طلاقه أو عتاقه مخرج اليمين فقد تعدى حدود الله تعالى، وليس شئ من ذلك طلاقا واقعا، ولا عتاقا واقعا أصلا، لا حين يوقعه مخالفا لأمر الله تعالى، ولا حيث لا يوقعه أصلا، وهذا بيان لا يحيل على من نصح نفسه وبالله التوفيق.
قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجوا به من قوله عز وجل: * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) و (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) * * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) * * (وبعهد الله أوفوا) * فوجدنا هذه الآيات في غاية البيان في صحة قولنا * (الحمد لله رب العالمين) * لان عهد الله إنما هو مضاف إلى الله تعالى، ولا يضاف إلى الله عز وجل إلا ما أمر به لا ما نهى عنه. وما كان خلاف هذا فهو عهد إبليس لا عهد الله تعالى، ومن أضافه إلى الله تعالى فقد كذب عليه.
ثم نظرنا في احتجاجهم بقول الله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * فوجدنا حجة لنا عليهم، لان الله تعالى لم يأمره عليه السلام بالتمادي على عهد من خاف منه خيانة، بل ألزمه تعالى أن ينبذ إليهم عهدهم، فصح أن كل عهد أمر الله عز وجل بنبذه وطرحه، فهو عهد منقوض مرفوض لا يحل التمادي عليه.
ثم نظرنا فيما احتجوا به من قول الله عز وجل: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ئ فلما آتاهم من فضله بخلوا به
(٦٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 597 598 599 600 601 602 603 604 605 606 607 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722