فالداخلة بنكاح طالق، وإن تسرى عليها فالسرية حرة، وإن غاب عنها مدة كذا أو أرحلها فأمرها بيدها تطلق نفسها أو تمسك، فكل هذا معاص وخلاف لأمر الله تعالى، وتعد لحدود الله، لان الله تعالى لم يجعل قط أمر امرأة بيدها إلا المعتقة ولها زوج فقط، بل جعل أمر النساء إلى الرجال وبأيديهم، فقال تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * وجعل الطلاق إلى الرجال لا إلى النساء، فقال تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * ولم يجعل طلاقا قبل نكاح، ولا عتقا قبل ملك، فمسمى كل حكم مما ذكرنا حلالا، مفتر على الله تعالى، منهي عن كل ذلك، فصح أنها عقود باطل لا يصح شئ منها.
وكذلك بين الله تعالى حكم الطلاق، فجعله في كل حال واقعا إذا وقع حيث أطلق الله تعالى إيقاعه، وغير واقع حيث لم يطلق الله تعالى إيقاعه، فمن طلق إلى أجل أو أخرج طلاقه أو عتاقه مخرج اليمين فقد تعدى حدود الله تعالى، وليس شئ من ذلك طلاقا واقعا، ولا عتاقا واقعا أصلا، لا حين يوقعه مخالفا لأمر الله تعالى، ولا حيث لا يوقعه أصلا، وهذا بيان لا يحيل على من نصح نفسه وبالله التوفيق.
قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجوا به من قوله عز وجل: * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) و (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) * * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) * * (وبعهد الله أوفوا) * فوجدنا هذه الآيات في غاية البيان في صحة قولنا * (الحمد لله رب العالمين) * لان عهد الله إنما هو مضاف إلى الله تعالى، ولا يضاف إلى الله عز وجل إلا ما أمر به لا ما نهى عنه. وما كان خلاف هذا فهو عهد إبليس لا عهد الله تعالى، ومن أضافه إلى الله تعالى فقد كذب عليه.
ثم نظرنا في احتجاجهم بقول الله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * فوجدنا حجة لنا عليهم، لان الله تعالى لم يأمره عليه السلام بالتمادي على عهد من خاف منه خيانة، بل ألزمه تعالى أن ينبذ إليهم عهدهم، فصح أن كل عهد أمر الله عز وجل بنبذه وطرحه، فهو عهد منقوض مرفوض لا يحل التمادي عليه.
ثم نظرنا فيما احتجوا به من قول الله عز وجل: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ئ فلما آتاهم من فضله بخلوا به