ثم بعد هذا كله: من له بأنها كانت بكرا؟ ولعلها ثيب، أليس في هذا الاحتجاج عبرة لمن اعتبر، ولعلها بكر عانس وهو لا يرى إنكاح هذه إلا بإذنها ورضاها، فكيف والاحتجاج بالآية لا يصح لما قدمنا من أن شرائع الأنبياء عليهم السلام لا تلزمنا، ومن شرائع الخضر عليه السلام قوله تعالى: * (حتى إذا لقيا غلاما فقتله) * ثم قال: * (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) *.
قال أبو محمد: ولا خلاف في شريعتنا أنه لا يحل قتل غلام خوف أن يرهقهما طغيانا وكفرا، ومن شريعة نوح عليه السلام: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) *.
قال أبو محمد: فأخذ بهذا الأزارقة واستباحوا قتل الأطفال وغاب عنهم أن قول نوح عليه السلام إنما كان فيمن كان في عصره من الكفار فقط، الذين أهلكهم الله تعالى، ولم يبق لهم نسلا بقوله تعالى: * (وجعلنا ذريته هم الباقين) * وبقوله تعالى (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) * ولم يحمل نوح مع نفسه عليه السلام إلا المؤمنين فقط من قومه وولده، وغاب عنهم بجهلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم هو ولد كافر وكافرة، وأن عمر كذلك، وقد قال عليه السلام:
أو ليس خياركم أولاد المشركين، ونحن نترك الكفار ولا نقتلهم، بل نأخذ منهم الجزية، وننكح إليهم ونعاملهم، ونأكل ذبائحهم، ولا نستحل قتل طفل من أطفال أهل الحرب عمدا، بل يهديهم الله بنا، ولا يضلوننا والحمد لله رب العالمين، وقد نقل كافة بني إسرائيل أن موسى عليه السلام قتل صبيان أهل مدين، وقتل يوشع صبيان أهل أريحا الأطفال بأمر الله تعالى بذلك، وهذا في شريعتنا غير جائز.
ومن شريعة يونس عليه السلام قوله تعالى: * (إذ ابق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين) *.
قال أبو محمد: فاحتج بهذا قوم في الحكم بالقرعة وقد مضى الكلام في ذلك ولا خلاف بين أحد منا أنه لا يجوز أن يلقى أحد في البحر بالقرعة.
ومن شريعة مريم عليها السلام: * (اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا) * وليس هذا من شرط الصوم عندنا.