إنما يعني التوحيد الذي لم يختلفوا فيه أصلا. واحتجوا بقوله تعالى: * (فبهداهم اقتده) *.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان الذي أمرنا أن نقتدي بهم فيه هو ما اتفقت فيه شريعتنا وشريعتهم مثل قوله تعالى: * (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله فأما باقي الآية في قوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * فلم نأخذه من هذه الآية، لكن من أمر الله تعالى لنا بذلك في آية أخرى.
ومثل قوله عز وجل: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) *.
فنص تعالى على أنهم كلهم أمروا ألا يتفرقوا في الدين، وهذا هو نفس إخباره عليه السلام أن دين الأنبياء عليهم السلام واحد، وقد نص الله تعالى على أنه أمر بعضهم بترك العمل في السبت، ولم يأمرنا نحن بذلك، وأحل الخمر مدة وحرمها بعد ذلك، فصح يقينا أن الذي نهوا عن التفرق فيه. وأن الذي شرع لجميعهم من الدين الواحد إنما هو التوحيد، وأن الذي فرق فيه بينهم هي الشرائع والأعمال الواجبات والمحرمات وهذا هو نفس قولنا. وقد قال تعالى: * (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) * وقال: * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) * قال تعالى: * (ولكل وجهة هو موليها) * فصح بالنص أنه تعالى فرق بين الشرائع، وبين منهاج كل واحد منهم، وبين وجهة كل واحد منهم، وقد قال تعالى: * (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم) *.
فصح أن الله تعالى لا يتناقض كلامه، وصح أن الذي أمرنا أن نتبع فيه سننهم هو غير الشرائع التي فرق بيننا وبينهم فيها، فصح أنه التوحيد الذي سوى فيه بينهم كلهم في التزامه، فصح أنه هو الهدى الذي أمر صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بهم، ويبين ذلك أيضا قوله تعالى حاكيا عن رسوله يوسف عليه السلام أنه قال: * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ) *.
قال أبو محمد: فبين نصا أنهم اتفقوا في التوحيد خاصة، وإلا فقد نص تعالى على أن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام حرم على نفسه أشياء كانت له حلالا،