وليس هذا في شريعة إبراهيم عليه السلام، فصح يقينا أنه كان مباحا لإسرائيل أن يحرم على نفسه بعض الطعام.
وأما شريعة إبراهيم عليه السلام فهي شريعتنا نفسها على ما نبين في آخر هذا الباب إن شاء الله عز وجل، وليس في شريعتنا أن يحرم أحد على نفسه طعاما أحله الله له، وقد جمع يعقوب بين الأختين. وهذا لا يحل في شريعتنا التي هي شريعة إبراهيم، فلما سوى يوسف عليه السلام بين ملة إبراهيم ويعقوب وشرائعهما مفترقة علمنا أن ذلك في التوحيد وحده لا فيما سواه.
فاعترض بعض خصومنا بأن قال: إذا حملتم قوله تعالى على أن ذلك في التوحيد وحده لا فيما سواه عريتم الآية من الفائدة. التوحيد مأخوذ بالعقل.
قال أبو محمد: هذا من أغث احتجاج يورده مشغب، ويلزم من قال بهذا أن يحذف من القرآن كل آية مكررة، مثل: * (وغيرها.
والتوحيد عرف بالعقل ضرورة، ولكن ما يجب الأقراء به فرضا، ولا صح الوعيد على جاحده بالقتل والنار في الآخرة بالعقل، وإنما وجب ذلك كله بإنذار الرسل فقط. فالآية المذكورة أوجبت اعتقاد التوحيد، وأوجبت الاقرار به، ولم يجب ذلك قط بالعقل، لان العقل لا يشرع ولا يخبر بمن يعذب الله تعالى في الآخرة، ولا بمن ينعم، وإنما العقل مميز بين الممتنع والواجب، والممكن ومميز بين الأشياء الموجودات وبين الحق الموجود المعقول والباطل المعدوم المعقول فهذا ما في العقل ولا مزيد.
وقال بعضهم: نحمل قوله تعالى: * (فبهداهم اقتده) * على ما لم يأتنا فيه نص أنه نسخ من شرائعهم، ونحمل قوله: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * على ما نسخ من شرائعهم.
قال أبو محمد: هذا تأويل منهم مجرد من الدليل، وما تجرد عن الدليل فهو دعوى ساقطة. وقد بينا الدلائل على أن الذي أمرنا بالاقتداء بهم فيه إنما هو التوحيد وحده فقط.
واحتجوا بقول الله تعالى: * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) *.
قال أبو محمد: وقد بين الله تعالى في آية أخرى غير هذه الآية بقوله تعالى: * (وأنزلنا