الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧٣٥
وليس هذا في شريعة إبراهيم عليه السلام، فصح يقينا أنه كان مباحا لإسرائيل أن يحرم على نفسه بعض الطعام.
وأما شريعة إبراهيم عليه السلام فهي شريعتنا نفسها على ما نبين في آخر هذا الباب إن شاء الله عز وجل، وليس في شريعتنا أن يحرم أحد على نفسه طعاما أحله الله له، وقد جمع يعقوب بين الأختين. وهذا لا يحل في شريعتنا التي هي شريعة إبراهيم، فلما سوى يوسف عليه السلام بين ملة إبراهيم ويعقوب وشرائعهما مفترقة علمنا أن ذلك في التوحيد وحده لا فيما سواه.
فاعترض بعض خصومنا بأن قال: إذا حملتم قوله تعالى على أن ذلك في التوحيد وحده لا فيما سواه عريتم الآية من الفائدة. التوحيد مأخوذ بالعقل.
قال أبو محمد: هذا من أغث احتجاج يورده مشغب، ويلزم من قال بهذا أن يحذف من القرآن كل آية مكررة، مثل: * (وغيرها.
والتوحيد عرف بالعقل ضرورة، ولكن ما يجب الأقراء به فرضا، ولا صح الوعيد على جاحده بالقتل والنار في الآخرة بالعقل، وإنما وجب ذلك كله بإنذار الرسل فقط. فالآية المذكورة أوجبت اعتقاد التوحيد، وأوجبت الاقرار به، ولم يجب ذلك قط بالعقل، لان العقل لا يشرع ولا يخبر بمن يعذب الله تعالى في الآخرة، ولا بمن ينعم، وإنما العقل مميز بين الممتنع والواجب، والممكن ومميز بين الأشياء الموجودات وبين الحق الموجود المعقول والباطل المعدوم المعقول فهذا ما في العقل ولا مزيد.
وقال بعضهم: نحمل قوله تعالى: * (فبهداهم اقتده) * على ما لم يأتنا فيه نص أنه نسخ من شرائعهم، ونحمل قوله: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * على ما نسخ من شرائعهم.
قال أبو محمد: هذا تأويل منهم مجرد من الدليل، وما تجرد عن الدليل فهو دعوى ساقطة. وقد بينا الدلائل على أن الذي أمرنا بالاقتداء بهم فيه إنما هو التوحيد وحده فقط.
واحتجوا بقول الله تعالى: * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) *.
قال أبو محمد: وقد بين الله تعالى في آية أخرى غير هذه الآية بقوله تعالى: * (وأنزلنا
(٧٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 730 731 732 733 734 735 736 737 738 739 740 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722