الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧٤٢
عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة ثم ذكر عليه السلام صفة القيامة، وفيه أن الناس يأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وذكر باقي الحديث، قيل له وبالله تعالى التوفيق.
ليس لك في هذا حجة لأنه لم يقل إلى جميع أهل الأرض، وبعض أهل الأرض يقع عليه اسم أهل الأرض، وما كنا لنستجيز تخصيص هذا العموم لولا ما ذكرنا قبل من رواية جابر وأبي هريرة وشهادتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن كل نبي قبله إنما بعث إلى قومه خاصة حاشاه عليه السلام، فإنه بعث إلى الناس كافة، وفضل على جميع الأنبياء بذلك.
وقد قال قوم: إن آدم عليه السلام بعث إلى ولده، وهم أهل الأرض قاطبة في وقتهم بلا شك.
قال أبو محمد: وهذا شغب لا يصح، لان الحديث الذي ذكرنا آنفا يبطل هذه الدعوى، وقد أخبر عليه السلام في هذا الحديث أن نوحا أول من بعث إلى أهل الأرض، وقد روى أن شيثا كان نبيا، وإذا كان ذلك فليس آدم مبعوثا إليه.
فإن قال قائل: ومن أين استجزت الاحتجاج في دفع بعث آدم إلى أهل الأرض بنبوة شيث، ولم يأت في نص صحيح ولا في إجماع، وأنت تنكر مثل هذا على غيرك.
قال أبو محمد: فنقول له وبالله تعالى التوفيق: وإنما قلنا ذلك لأنه قد صح عندنا بيقين أنه لم يبعث قط نبي إلى جميع الناس حاشا محمدا صلى الله عليه وسلم، فمن قال:
إن آدم ونوحا أو غيرهما بعث إلى جميع الناس في زمانه فهو كاذب بلا شك، مخالف لمحمد صلى الله عليه وسلم مبطل لفضيلته، فلما صح ذلك عندنا علمنا أن آدم لا يخلو من أحد وجهين ضرورة لا ثالث لهما: إما أن يكون معه نبي آخر لم يبعث آدم إليه، أو يكون ولده لم يلزموا شريعة أبيهم آدم، وقد ينبأ المرء في مهده كما نبئ عيسى عليه السلام، فلعله قد ولد لآدم ولد نبئ في حين خروجه إلى الدنيا.
فلا يكون آدم مبعوثا إليه والله أعلم، إلا أن اليقين الذي لا شك فيه أن آدم لم يبعث إلى جميع ناس عصره، ولا ناس هنالك إلا هو وامرأته حواء وولده فقط، وبالله تعالى التوفيق.
(٧٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 733 734 735 736 737 738 739 740 741 742 743 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722