الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧٣٣
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ، وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الاسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الاسلام.
واحتجوا بقوله تعالى: * (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) *.
قال أبو محمد: وهذا إنما عني الله تعالى به أنبياء بني إسرائيل لا محمدا عليه السلام لأنه تعالى يقول: * (ومن يبتغ غير السلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * وبيان ذلك قوله تعالى: * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * ونحن ليس لنا نبيون إنما لنا نبي واحد والأنبياء كلهم مسلمون وقد حكى الله تعالى عن أنبياء سالفين أنهم قالوا أمرنا بأن نكون من المسلمين. وأيضا فقد قال تعالى حاكيا عن أهل الكتاب أنهم قالوا لنا: * (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا) * فصح أن الله تعالى نهى عن دين اليهود والنصارى، وأمرنا بدين إبراهيم عليه السلام، وقال تعالى: * (لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده) * فصح يقينا أن إبراهيم كانت شريعته قبل التوراة، وأن شريعته لازمة لنا فمن المحال الممتنع أن نؤمر باتباع شئ نزل بعد شريعتنا، وهذا متناقض فبطل تأويل من ظن الخطأ في قوله تعالى:
* (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * وصح أنهم أنبياء بني إسرائيل فقط.
فإن قالوا: لا خلاف بين التوراة وبين شريعة إبراهيم عليه السلام، ولا بين شريعتنا، واحتجوا بما حدثناه عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب ابن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد قلنا لهم: هذا حجة عليكم لا لكم، إن تأولتم فيه اتفاق أحكام شرائعهم أكذبهم القرآن في قوله تعالى:
* (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * وأكذبهم قوله تعالى عن عيسى عليه السلام:
* (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * وأكذبهم أمر السبت، وتحريم كل ذي ظفر وما حرم إسرائيل على نفسه، ولكن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ودينهم واحد
(٧٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 728 729 730 731 732 733 734 735 736 737 738 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722