قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ، وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الاسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الاسلام.
واحتجوا بقوله تعالى: * (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) *.
قال أبو محمد: وهذا إنما عني الله تعالى به أنبياء بني إسرائيل لا محمدا عليه السلام لأنه تعالى يقول: * (ومن يبتغ غير السلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * وبيان ذلك قوله تعالى: * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * ونحن ليس لنا نبيون إنما لنا نبي واحد والأنبياء كلهم مسلمون وقد حكى الله تعالى عن أنبياء سالفين أنهم قالوا أمرنا بأن نكون من المسلمين. وأيضا فقد قال تعالى حاكيا عن أهل الكتاب أنهم قالوا لنا: * (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا) * فصح أن الله تعالى نهى عن دين اليهود والنصارى، وأمرنا بدين إبراهيم عليه السلام، وقال تعالى: * (لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده) * فصح يقينا أن إبراهيم كانت شريعته قبل التوراة، وأن شريعته لازمة لنا فمن المحال الممتنع أن نؤمر باتباع شئ نزل بعد شريعتنا، وهذا متناقض فبطل تأويل من ظن الخطأ في قوله تعالى:
* (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * وصح أنهم أنبياء بني إسرائيل فقط.
فإن قالوا: لا خلاف بين التوراة وبين شريعة إبراهيم عليه السلام، ولا بين شريعتنا، واحتجوا بما حدثناه عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب ابن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد قلنا لهم: هذا حجة عليكم لا لكم، إن تأولتم فيه اتفاق أحكام شرائعهم أكذبهم القرآن في قوله تعالى:
* (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * وأكذبهم قوله تعالى عن عيسى عليه السلام:
* (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * وأكذبهم أمر السبت، وتحريم كل ذي ظفر وما حرم إسرائيل على نفسه، ولكن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ودينهم واحد