فان قال: انا على البراءة حتى يصح على شئ: ترك قوله الفاسد ورجع إلى الحق وناقض إذ لم يكن سلك في كل شئ هذا المسلك ويلزمهم أيضا كان لا يرثوا موتاهم إذ لعلهم قد ارتدوا ا لعلهم قد تصدقوا بها أو لعلهم أدانوا ديونا تستغرقها. فيلزمهم إقامة البينة على براءة موتاهم في حين موتهم على كل ذلك والذي يلزمهم يضيق عنه جلد الف بغير ويلزمهم ان لا يقولوا بتمادي نبوة نبي حتى يقيم كل حين البرهان على صحة نبوته.
واما نحن فلا ننتقل عن حكم إلى حكم آخر الا ببرهان وكذلك نقول لكل من ادعى النبوة كمسيلمة والأسود وغيرهما. عهدنا كم غير أنبياء فأنتم على بطلان دعواكم حتى يصح ما يثبتها وكذلك نقول لمن ادعى ان فلانا قد حل دمه بردة أو زنا: عهدناه بريئا من كل ذلك فهو على السلامة حتى يصح الدليل على ما تدعيه وكذلك نقول لمن ادعى ان فلانا العدل قد نسق أو أن فلانا الفاسق قد تعدل، أو ان فلانا الحي قد مات أو ان فلانة قد تزوجها فلان أو ان فلانا طلق امرأته أو ان فلانا قد زال ملكه عما كان يملك أو ان فلانا قد ملك ما لم يكن يملكه وهكذا كل شئ اننا على ما كنا عليه حتى يثبت خلافه.
فإنما جاء قوم إلى هذه الحماقات في مواضع يسيرة أخطئوا فيها فنصروا خطاهم بما يبطل كل عقل وكل معقول، وذلك نحو قولهم: ان الماء إذا حلته نجاسة فقد تنجس وان من شك بعد يقينه بالوضوء فعليه الوضوء وأشباه هذا.
فقالوا: ان الماء الذي حكم الله بطهارة لم يكن حلته نجاسة. فقلنا لهم: وان الرجل الذي حرم الله دمه لم يكن شاب ولا حلق رأسه ولا عليه صفرة مرض لم يكن فيه فبدلوا حكمه لتبدل بعض أحواله. وقالوا: عليه أن لا يصلى الا بيقين طهارة لم يتلها شك.
قلنا: فحرموا على من شك أباع أمته أم لم يبعها ان يطأها أو يملكها، لشكه في انتقال ملكه؟ وحدوا كل من شككتم أزنى ان لم يزن. وقد ذكرنا اعتراضهم بمسألة قول اليهود: قد وافقتمونا على صحة نبوة موسى صلى الله عليه وسلم. وبينا اننا لم ننتقل إلى الاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا ببراهين