أمر به صلى الله عليه وسلم في الشهيد ألا يغسل ولا يكفن، وأن يدفن في ثيابه، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون دم والريح ريح مسك فكلا الامرين عمل كلفناه نحن وألزمناه، فمن فعله أطاع الله تعالى، ومن لم يفعله عصى الله عز وجل. فتخيل أهل الجهل والاستخفاف بأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن عمل الميت قد انقطع، فيا ليت شعري من قال لهم: إن هذا عمل أمر به الميت وإنما قيل لهم: إنه عمل أمرنا نحن به في الميت، كما أمرنا بغسل سائر موتانا وتحنيطهم بالسدر والكافور والصلاة عليهم، فهذا كله سواء ولا فرق. وتلبية المحرم يوم القيامة فضل له حينئذ وجزاء كثعب جرح الشهيد، ولا فرق فبطل تمويه أهل الجهل والحمد لله.
وكذلك قوله: * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) * وقوله تعالى: * (يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) *، وقوله تعالى: * (يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * وقوله تعالى: * (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى وقوله تعالى: * (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه) * وقوله تعالى: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) *.
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كله لا يعارض ما ذكرنا البتة، وإنما معناه أن أحدا لا يحمل إثم غيره ولا وزره، إلا أن يكون سن ذلك العمل السوء فله مثل إثم صانعيه أبدا، لان الآي مضاف بعضها إلى بعض، وقد قال تعالى: * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) *. وأخبر عليه السلام أن كل قتيل يقتل فعلى ابن آدم الأول كفل منه، لأنه أول من سن القتل. فمعنى الآي الأول أن الله لا يلقي إثم أحد على برئ منه، وأما من استن الشر ورتبه فله حظ من كل فعل يوافق ما سبق، وكذلك من سن الخير أبدا، فلا يلحق عمل أحد أحدا أبدا إلا ما جاء به النص، فيصير حينئذ فعلا مأمورا به من كلف أداه، يؤجر على فعله ويأثم بتركه كسائر ما أمر به ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل.