ولا يلزمه شئ، لا في الفتيا ولا في القضاء، وإن اعترف بذلك وأقر بأنه نواه.
ثم تقولون: إن من نوى في حال صيامه أنه تارك للصوم عامدا بذلك، ذاكرا لصومه، إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولا وطئ ولا فعل فعلا ينقض الصوم، فإن صومه قد بطل، وأنه قد أفطر، وتقولون فيمن نوى في حال صلاته: إنه تارك الصلاة خارج عنها، إلا أنه لم يفارق ما هو فيه من هيئتها أنه قد بطلت صلاته إذا تعمد ذلك وهو ذاكر أنه في صلاة، وتقولون فيمن نوى في حال إعطائه زكاة ماله أنه ليس ذلك عن زكاته المفترضة عليه، إنه كذلك غير مؤد فرض زكاته وأن عليه أداءها ثانية.
وتقولون فيمن نوى في حال تذكيته ما يذكي: أنه عابث غير قاصد إلى التذكية المأمور بها، إنها ميتة لا يحل أكلها، وتقولون فيمن نوى في حال عمرته وحجه إنه رافض لهما، وهو مع ذلك متماد في عملهما، فإن حجه وعمرته قد بطلا، وتقولون فيمن نوى في حال وضوئه وغسله، إن بعض عمله لهما لا ينوي به أداء الغسل الوضوء المفترضين عليه: إن ذلك الغسل والوضوء ناقصان، لا بد من إعادة ما عمل بغير نية.
وتقولون فيمن أتم كل هذه الأعمال بنية لها فلما أتمها نوى بطلانها: إنه لا يبطل شئ منها بذلك، وأنها ماضية جازية جائزة، فما الفرق بين ما جوزتموه وبين ما أبطلتموه من ذلك؟ وهل كل ذلك إلا سواء؟ وما الفرق بين استغناء النية في بعض هذه الوجوه عن مضامة العمل إليها، وبين افتقارها إلى مضامة العمل إليها في بعضها؟.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إن جميع الأعمال المأمور بها هي مفتقرة إلى نية تصحبها كما قدمنا لما ذكرنا في أول هذا الباب من وجوب القصد إلى الله تعالى والاخلاص له بالعمل، فمتى قصد المرء إلى إبطال تلك النية فقد بطل ذلك العمل، إذ لم يأت به كما أمر من أصحاب النية إياه، فلذلك بطل ما ذكرنا من الوضوء والغسل والصوم والحج، لأنه ليس إلا صائم أو غير صائم، أو مصل، أو غير مصل، ومتوضئ أو غير متوضئ. وهكذا في الزكاة والحج وغير ذلك، فإذا لم يكن صائما. ولا مصليا ومتوضئا كما أمر، فهو غير صائم ولا متوضئ ولا مصل