الوارد في إيجاب الدية على العاقلة، لأنه في كلا الوجهين المذكورين لم ينو معصية.
وكذلك من فعل أي فعل كان ولم ينو به الطاعة لله تعالى فهو غير موجب له أجرا ولا أدى ما أمر به.
وأما العمد المرتبط بالقصد إلى ما يحدث من ذلك العمد، أو إلى بعض ما هو فيه كقصد الصائم إلى الاكل، وهو ذاكر لأنه صائم فرض، وكضربه إنسانا بما يمات منه قاصدا لضربه به، عالما بأنه قد يمات من مثله، وكتبديله القرآن عامدا عالما بأنه ليس كذلك في المصحف، وكشربه الخمر، وهو يعلمها خمرا، وكوطئه أجنبية، وهو يعلم أنها ليست له زوجا، ولا ملك يمين. فهذا كله يوجب الحكم بالاثم، وبما أتى به النص. وإنما قلنا في قاتل الصيد عامدا لقتله غير ذاكر لاحرامه: إنه لا جزاء عليه لقوله تعالى في آخر الآية: * (ومن عاد فينتقم الله منه) * والنقمة لا تقع إلا على عاص ولا يكون عاصيا بقتل الصيد أصلا إلا حتى يعمد قتله، وهو مع ذلك ذاكر لاحرامه، عالم بأنه منهي عن قتله في تلك الحال، هذا ما لا خلاف فيه، أعني أنه لا يأثم إلا في هذه الحال. وكذلك من قصد بنيته إلى فعل الطاعة فهو مؤد لما أمر به من ذاك والنفس هي الفعالة، وفعلها المعرفة بما نفعله وغرضها فيه، وهي المحركة للجسد فلا بد من توفيتها فعلها الذي أمرت به بتمامه.
ومما ذكرنا: من لقي رجلا في صف المشركين فظنه مشركا فقتله عمدا، وهو لا يعلم أنه مسلم، فإذا هو مسلم، فلا خلاف في أنه لا قود عليه ولا إثم. وكذلك سقط الاثم والقود عن المتأول من الحكام، وإن كان عامدا، ليس ذلك إلا لأنه لم يقصد خلاف ما أمر به وهو يعلمه معصية. وكذلك من أكل لحم خنزير وهو يظنه لحم كبش أو حنث غير ذاكر ليمينه فكل هذا لا شئ عليه فيه ولا قضاء ولا إثم ولا تعزير ولا حد. فإن جاء نص في شئ ما من ذلك كان مستثنى، كمن صلى وهو يظن أنه متوضئ، فإذا به غير متوضئ فذكر بعد ذلك، فهذا لم يصل فليصل، لقوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور وهذا لم يصل كما أمر وأما من صلى وفي ثوبه شئ فرض اجتنابه على من بلغه، أو صلى إلى غير القبلة، فإن كان ممن لم يبلغه فرض اجتناب ذلك الشئ، ولا فرض القبلة، فصلاته تامة، لأنه لم يكلف ما لم يبلغه، فإن كان ممن بلغه كل ذلك فعليه أن يعيد الصلاة ما دام وقتها،