الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧١٨
الوارد في إيجاب الدية على العاقلة، لأنه في كلا الوجهين المذكورين لم ينو معصية.
وكذلك من فعل أي فعل كان ولم ينو به الطاعة لله تعالى فهو غير موجب له أجرا ولا أدى ما أمر به.
وأما العمد المرتبط بالقصد إلى ما يحدث من ذلك العمد، أو إلى بعض ما هو فيه كقصد الصائم إلى الاكل، وهو ذاكر لأنه صائم فرض، وكضربه إنسانا بما يمات منه قاصدا لضربه به، عالما بأنه قد يمات من مثله، وكتبديله القرآن عامدا عالما بأنه ليس كذلك في المصحف، وكشربه الخمر، وهو يعلمها خمرا، وكوطئه أجنبية، وهو يعلم أنها ليست له زوجا، ولا ملك يمين. فهذا كله يوجب الحكم بالاثم، وبما أتى به النص. وإنما قلنا في قاتل الصيد عامدا لقتله غير ذاكر لاحرامه: إنه لا جزاء عليه لقوله تعالى في آخر الآية: * (ومن عاد فينتقم الله منه) * والنقمة لا تقع إلا على عاص ولا يكون عاصيا بقتل الصيد أصلا إلا حتى يعمد قتله، وهو مع ذلك ذاكر لاحرامه، عالم بأنه منهي عن قتله في تلك الحال، هذا ما لا خلاف فيه، أعني أنه لا يأثم إلا في هذه الحال. وكذلك من قصد بنيته إلى فعل الطاعة فهو مؤد لما أمر به من ذاك والنفس هي الفعالة، وفعلها المعرفة بما نفعله وغرضها فيه، وهي المحركة للجسد فلا بد من توفيتها فعلها الذي أمرت به بتمامه.
ومما ذكرنا: من لقي رجلا في صف المشركين فظنه مشركا فقتله عمدا، وهو لا يعلم أنه مسلم، فإذا هو مسلم، فلا خلاف في أنه لا قود عليه ولا إثم. وكذلك سقط الاثم والقود عن المتأول من الحكام، وإن كان عامدا، ليس ذلك إلا لأنه لم يقصد خلاف ما أمر به وهو يعلمه معصية. وكذلك من أكل لحم خنزير وهو يظنه لحم كبش أو حنث غير ذاكر ليمينه فكل هذا لا شئ عليه فيه ولا قضاء ولا إثم ولا تعزير ولا حد. فإن جاء نص في شئ ما من ذلك كان مستثنى، كمن صلى وهو يظن أنه متوضئ، فإذا به غير متوضئ فذكر بعد ذلك، فهذا لم يصل فليصل، لقوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور وهذا لم يصل كما أمر وأما من صلى وفي ثوبه شئ فرض اجتنابه على من بلغه، أو صلى إلى غير القبلة، فإن كان ممن لم يبلغه فرض اجتناب ذلك الشئ، ولا فرض القبلة، فصلاته تامة، لأنه لم يكلف ما لم يبلغه، فإن كان ممن بلغه كل ذلك فعليه أن يعيد الصلاة ما دام وقتها،
(٧١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 713 714 715 716 717 718 719 720 721 722 723 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722