لأنه علم ووقتها قائم، إذ لم يصل تلك الصلاة كما أمر، ففرض عليه أن يصليها كما أمر. وأما بعد الوقت فلا، لأنه لا يصلي صلاة إلا في وقتها حاشا النائم والناسي والسكران، فإنهم خصوا بالنص فيهم، وكالدية وعتق الكفارة في قتل الخطأ، فهذا مستثنى بالنص من سائر ما لم يقصده المرء.
واعلم أن خصومنا يتناقضون في كل ما ذكرنا تناقضا لا يرجعون فيه إلى أصل، لكن مرة يلزمونه ومرة لا يلزمونه دون برهان من الله تعالى في كل ذلك. ومما يؤيد ما قلنا ما حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل. - هو شقيق بن سلمة - يقول: ثنا أبو موسى الأشعري، أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. وقد روى الأعمش هذا الحديث فذكر فيه: الذي يقاتل شجاعة وحمية وغضبا ورياء وأنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل في سبيل الله إلا من قاتل لتكون كلمة الله عز وجل العليا، فلو أجزأ عمل بغير نية لأجزأ الجهاد الذي هو أفضل الأعمال بعد الايمان، ولكن لا سبيل إلى أن يجزئ عمل بغير نية.
ومن هذا الباب أيضا المكره على الكفر، فإن عبد بلسانه ولم يعبد بقلبه فلم يخرج بذلك عن الايمان، قال الله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) * فإنما راعى تعالى عمل القلب فقط، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عمن أكل ناسيا، فأخبر عليه السلام أنه لم ينتقض صومه بذلك، ولا شك في أن هذا الصائم عمد الاكل، ولكنه كان ذاكرا لصيامه، فصح ما قلنا نصا، وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى: * (لا تكلف إلا نفسك) * احتج بهذا قوم في إبطال أن يحج أحد عن غيره أو يصلي أحد عن غيره أو يصوم أحد عن غيره، وقد أخطؤوا في ذلك خطأ فاحشا، وليس في هذه الآية معارضة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج عن الشيخ الكبير، وبالصيام عن الولي الميت، وبقضاء النذر عن الميت، لان كل ما ذكرنا فالحي المؤدي هو المكلف ذلك في نفسه، وهي شريعة ألزمه الله تعالى