واحدة، إن انتقضت منها ركعة تعمدا انتقضت كلها فاستبان بكل ما ذكرنا أن كل هذا نوع واحد لا خلاف بين شئ منه، ولم نقل هذا على أننا حاكمون لبعض ما ذكرنا بمثل حكمنا لسائره، قياسا، ومعاذ الله من ذلك. ولكنا أرينا أصحاب القياس تناقضهم في ذلك، حيث يرتضونه ويصححونه ويحكمون به من القياس الفاسد. وأما نحن فإنما معتمدنا في كل ما ذكرنا على ما قد بيناه من أن كل عمل خلا من نية، أو كل نية خلت من عمل، فكل ذلك فاسد لقوله تعالى: * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * فأمرنا بشيئين كما ترى، العبادة وهي العمل، والاخلاص وهو النية، فلا يجزئ أحدهما دون الآخر، وبقوله عليه السلام:
إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فصح بهذا النص أنه لا عمل إلا بنية مقترنة معه، غير متقدمة ولا متأخرة، وقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) * إلا أن يأتي نص باستثناء شئ من هذه النصوص فنصير إليه وإلا فلا.
وقد سألني بعضهم فقال: ما تقول فيمن أفطر ناسيا لصومه؟ فقلت له:
صومه تام. قال: فما تقول فيمن ترك ركعة من صلاته ناسيا؟ فقلت: يصليها ما لم ينتقض وضوءه، أو يعيد الصلاة كلها إن انتقض وضوءه، فقال لي:
لم فرقت بين الامرين؟ وهلا أجزت الصلاة مع نسيان بعضها، كما أجزت الصيام مع نسيان بعضه بإفطار في بعض نهاره؟.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إننا لسنا من أصحاب القياس فيلزمنا هذا السؤال، وإنما اتبعنا النص الوارد فيمن أفطر ناسيا أنه يتم صومه، واتبعنا فيمن نسي صلاته أو بعضها أن يصليها، لأننا مأمورون بالصلاة بالنص، وبعض الصلاة صلاة، فمن لم يصل ناسيا، قيل له بالنص: أقم الصلاة التي نسيت إذا ذكرتها ولا مزيد، ولكنا نتطوع ونريه فساد ما أراد إلزامنا إياه من طريق القياس الذي يدعونه، وهم أترك الناس لطرده. فنقول وبالله تعالى التوفيق: ليس يشبه تارك ركعة ناسيا من أفطر ناسيا، وإنما يشبه من أفطر ناسيا من تكلم في صلاته ناسيا، ويشبه تارك الركعة ناسيا من نسي أنه صائم، فنوى الفطر في باقي نهاره إلا أن النص فرق بين حكميهما، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ولم يأمر في نسيان الصوم بذلك والصوم له وقت محدود