الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧١٦
واحدة، إن انتقضت منها ركعة تعمدا انتقضت كلها فاستبان بكل ما ذكرنا أن كل هذا نوع واحد لا خلاف بين شئ منه، ولم نقل هذا على أننا حاكمون لبعض ما ذكرنا بمثل حكمنا لسائره، قياسا، ومعاذ الله من ذلك. ولكنا أرينا أصحاب القياس تناقضهم في ذلك، حيث يرتضونه ويصححونه ويحكمون به من القياس الفاسد. وأما نحن فإنما معتمدنا في كل ما ذكرنا على ما قد بيناه من أن كل عمل خلا من نية، أو كل نية خلت من عمل، فكل ذلك فاسد لقوله تعالى: * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * فأمرنا بشيئين كما ترى، العبادة وهي العمل، والاخلاص وهو النية، فلا يجزئ أحدهما دون الآخر، وبقوله عليه السلام:
إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فصح بهذا النص أنه لا عمل إلا بنية مقترنة معه، غير متقدمة ولا متأخرة، وقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) * إلا أن يأتي نص باستثناء شئ من هذه النصوص فنصير إليه وإلا فلا.
وقد سألني بعضهم فقال: ما تقول فيمن أفطر ناسيا لصومه؟ فقلت له:
صومه تام. قال: فما تقول فيمن ترك ركعة من صلاته ناسيا؟ فقلت: يصليها ما لم ينتقض وضوءه، أو يعيد الصلاة كلها إن انتقض وضوءه، فقال لي:
لم فرقت بين الامرين؟ وهلا أجزت الصلاة مع نسيان بعضها، كما أجزت الصيام مع نسيان بعضه بإفطار في بعض نهاره؟.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إننا لسنا من أصحاب القياس فيلزمنا هذا السؤال، وإنما اتبعنا النص الوارد فيمن أفطر ناسيا أنه يتم صومه، واتبعنا فيمن نسي صلاته أو بعضها أن يصليها، لأننا مأمورون بالصلاة بالنص، وبعض الصلاة صلاة، فمن لم يصل ناسيا، قيل له بالنص: أقم الصلاة التي نسيت إذا ذكرتها ولا مزيد، ولكنا نتطوع ونريه فساد ما أراد إلزامنا إياه من طريق القياس الذي يدعونه، وهم أترك الناس لطرده. فنقول وبالله تعالى التوفيق: ليس يشبه تارك ركعة ناسيا من أفطر ناسيا، وإنما يشبه من أفطر ناسيا من تكلم في صلاته ناسيا، ويشبه تارك الركعة ناسيا من نسي أنه صائم، فنوى الفطر في باقي نهاره إلا أن النص فرق بين حكميهما، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ولم يأمر في نسيان الصوم بذلك والصوم له وقت محدود
(٧١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 711 712 713 714 715 716 717 718 719 720 721 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722