وهكذا، سائر الأعمال. وهكذا القول عندنا، فيمن طلق أو عتق أو تصدق بغير نية، إن كل ذلك لا يلزمه عند الله تعالى، وإن كنا نقضي عليه بإمضائه، لأنا لا نعلم نيته في ذلك، ولو علمنا أنه بغير نية لما حكمنا عليه بشئ من ذلك أصلا، فلو وصل قوله كله فقال: عبدي حر بغير نية مني لعتقه، أو قال ذلك في الطلاق والنكاح والصدقة والهبة، لما أنفذنا عليه شيئا من ذلك أصلا.
وكل ما ذكرنا وما لم نذكر من سائر الأعمال، فلا تجزئ فيه النية دون العمل ولا العمل دون النية، ولا بد من اقترانهما معا، لأنه مأمور من الله تعالى بهما معا، فلا بد في الصلاة من حركات محدودة معمولة مع النية، ولا بد في الوضوء من مثل ذلك أيضا، ولا بد في الحج من مثل ذلك، ولا بد في الصوم من إمساك عن كل ما أمر بالامساك عنه، مع النية أيضا، ولا بد في العتق والطلاق، والنكاح والهبة والصدقة، من نطق ولفظ مع النية في كل ذلك، لأنه لا يعلم شئ من ذلك إلا بالألفاظ المعبرة عنه، وإن انفرد في كل ما ذكرنا عمل دون نية فهو باطل، وإن انفرد نية فيه دون عمل فهي باطل أيضا. فمن نوى أن يصلي أو يتوضأ، أو يحج أو يصوم ولم يصل ولا توضأ ولا حج ولا صام فلا شئ له، فلا يظن الظان أن قولنا اختلف في شئ مما ذكرنا، بل هو كله باب واحد، وهو أنه لا بد من عمل ونية، لا حكم لأحدهما دون الآخر، ومن خالفنا في هذا فإنه يتناقض، فمرة يقول بقولنا في بعض المواضع، ومنها الصلاة، ومرة لا يقول بقولنا دون دليل، لكن اتباعا للهوى والتقليد الذي لا يحل.
فإن قال: فإنكم تقولون فيمن أفطر ناسيا غير ذاكر لصومه، أو تكلم أو عمل أو أكل ناسيا في صلاته غير ذاكر أنه في صلاة، أو قتل صيدا وهو محرم غير معتمد لقتله - إنه لا شئ عليه في كل ذلك.
ثم تقولون: من أحدث بشئ يخرج من مخرجيه من غائط أو بول أو ريح أو مذي أو ودي أو مني ناسيا، أو نام مغلوبا فقد بطلت طهارته وتقولون إن من ذبح أو نحر أو تصيد، فلم يسم الله تعالى ناسيا أو عامدا، فكلاهما سواء لا يحل أكل شئ من ذلك فالجواب وبالله التوفيق: أن الأصل الذي تجري عليه الفتيا أنه لا شئ