الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧١٠
وإن أمسك عن كل ذلك لا بنية الرياء ولا بنية الطاعة كما أمر، فليس مطيعا ولا عاصيا، وإذا لم يكن كذلك فليس صائما، وإذا لم يمسك بنية الطاعة عن ذلك في صوم الفرض في الوقت الذي أمر فيه بالامساك عن كل ما ذكرنا فهو عاص، لأنه خالف ما أمر به وهكذا القول في رمي الجمار والوقوف بعرفة والمزدلفة والطواف والسعي. وكذلك سائر الأشياء كلها. فمن أكل الشعير مؤثرا بالبر المساكين، ناويا للبر في ذلك، ففاضل محمود، ومن أكله لؤما وبخلا وخزن البر مستكثرا للمال. فمذموم آثم، ومن مشى راجلا وحمل متاعه بيده، تواضعا لله تعالى لا بخلا ولا دناءة، وتصاون عن الخسائس مع ذلك، وتصدق ناويا بكل ذلك ما ذكرنا، فهو فاضل محمود، ومن فعل ذلك بخلا ودناءة فمذموم، وإن فعل بنية رياء ففاسق، ومن أنكح بنته عبده أو علجا - كما فعل ضرار بن عمرو - تواضعا ونيته التسوية بين المسلمين، وهو مع ذلك عزيز النفس غير طمع ولا جشع ففاضل محمود عند أهل العقول، رائض لنفسه الغضبية، ومن فعل ذلك طمعا أو مهانة نفس فمذموم ساقط، ومن لبس الوشي المرتفع الذي ليس حريرا بنية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فمأجور فاضل، ومن لبسه بنية التخنث والأشر والاعجاب ففاسق مذموم، وهكذا جميع الأعمال، أولها عن آخرها، فصح أن لا عمل أصلا إلا بنية كما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: أنتم تقولون فيمن أعتق في نفسه أمته أو عبده، ونوى عتقهما وأمضاه نية صحيحة، إلا أنه لم يلفظ بعتقهما أنهما لا يكونان بذلك حرين، ولا يكون هو معتقا لا عند الله ولا في الحكم، فإن العبد والأمة باقيان مملوكين له كما كانا. وتقولون فيمن طلق في نفسه، ونوى الطلاق إلا أنه لم يلفظ بلفظ من ألفاظ الطلاق: إنه لا يكون مطلقا بذلك لا عند الله ولا في الحكم، وإنما امرأته حلال له كما كانت، حتى أنكم تقولون: إنه إن لفظ بلفظ ليس من ألفاظ الطلاق ونوى به الطلاق، إنه لا يلزمه بذلك طلاق وإنها امرأته كما كانت حلال له في الحكم والفتيا معا.
وتقولون: إن من وهب نيته أو تصدق بنيته بشئ من ماله مسمى، ولكنه لم يلفظ بلفظ من ألفاظ الهبة أو الصدقة إنه بذلك غير واهب ولا متصدق،
(٧١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 705 706 707 708 709 710 711 712 713 714 715 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722