حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا عمرو الناقد، نا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برفان، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
قال أبو محمد: فصح بكل ما ذكرنا أن النفس هي المأمورة بالاعمال، وأن الجسد آلة لها، فإن نوت النفس بالعمل الذي تصرف فيه الجسد وجها ما، فليس لها غيره، وصح أن الله تعالى يقبل إلا ما أمر به، بالاخلاص له، فكل عمل لم يقصد به الوجه الذي أمر الله تعالى به فليس ينوب عما أمر الله تعالى به، فبطل قول من قال: إن من توضأ تبردا أو تعليما، أو تيمم بغير نية، أو لم يأكل ولا شرب ولا وطأ بغير نية، أو مشى في المناسك بغير نية: إنه يجزيه عن الوضوء المأمور به للصلاة. وعن التيمم المأمور به للصلاة، وعن الصيام المأمور به، أو المتطوع به لله عز وجل، وعن الحج المأمور به، أو المتطوع به لله عز وجل، لأنه لم يخلص في كل ذلك لله عز وجل، ولا فعله ابتغاء مرضاته تعالى، ولا نوى به ما أمر به. وقد أخبر الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام أنه لا ينظر إلى الصور، فإذا لم ينظر إلى الصور فقد بطل أن يجزي عمل الصورة المنفرد على عمل القلب الذي هو النية، وصح أنه تعالى إنما ينظر إلى القلب وما قصد به فقط، ولا بيان أكثر من تكذيب الله عز وجل المنافقين في شهادتهم أن محمدا رسول الله. وهذا عين الحق وعنصره الذي لا يتم حق إلا به، فلما كانوا غير ناوين لذلك القول بقلوبهم صاروا كاذبين فيه، وهذا بيان جلي في بطلان كل قول وعمل لم ينو بالقلب، ونحن نحكي أقوال الكفار ونتلوها في القرآن، ولكنا لم ننوها بقلوبنا لم يضرنا ذلك شيئا، وصح بنص الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التقوى في القلب، فكل عمل لم يقصده القلب فليس تقوى، وكل عمل لم يقصد بالمضغة التي بها يصلح الجسد فهو باطل، وإن عمله الجسد، وفي هذا كفاية.
على أن القائلين بخلاف قولنا يتناقضون أقبح تناقض، فمن مفرق بين التيمم والوضوء ومن مفرق في النية في الصوم بين أول النهار وآخره، ومن مفرق في الحج بين الاحرام وبين سائر فرائضه، كل ذلك استطالة في الدين بالآراء الفاسدة