والأهواء المضلة بلا دليل من الله تعالى، فإن قال قائل منهم: إنما أمر الله تعالى بغسل أعضاء الوضوء فغاسلها، وإن لم تكن له نية قد غسلها، قيل له وبالله تعالى التوفيق: ما أمر الله تعالى قط بغسلها مجردا عن النية بذلك للصلاة وبيان ذلك في الآيتين اللتين ذكرنا. وفي الحديثين اللذين نصصنا وأيضا: فإن الصلاة حركات من وقوف وانحناء ووضع رأس بالأرض، فإن فعل ذلك إنسان متمددا ومتأملا شيئا بين يديه ومستريحا، حتى أتم بذلك ركعتين في وقت صلاة الصبح لا ينوي بذلك صلاة الصبح أتروه يجزيه ذلك من صلاة الصبح المفترضة عليه؟ وهذا ما لا يقولونه فقد حصلوا على التناقض.
فإن احتجوا في الصيام بما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على عائشة فيقول:
أعندكم طعام فإن قالت: لا. قال: إني صائم قيل لهم وبالله تعالى التوفيق.
لا حجة لكم في ذلك لأنه ليس فيه نص على أنه صلى الله عليه وسلم استأنف الصوم من حينئذ وجائز أن يكون صلى الله عليه وسلم سأل: هل عندكم طعام وهو قد نوى الصيام، فلو وجد طعاما أفطر عليه وترك الصوم، كما روى من طريق عائشة أنها قربت إليه طعاما فأكل وقال صلى الله عليه وسلم: إني كنت أصبحت صائما وهذا جائز لنا نحن أيضا، وأما عمل بلا نية فلا سبيل إليه، لما قدمنا قبل.
فإن قالوا: فإنكم تجيزون غسل النجاسة بلا نية؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق:
إن كل نجاسة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزالتها بعمل موصوف وبعدد محدود بلا بد في إزالتها من النية، ولا تجزى إلا بالقصد إليه تأدية العمل المأمور به فيها، وإلا فلا، وأما كل نجاسة أمرنا باجتنابها فقط، دون أن يجد لنا فيها عمل أو عدد فكيف ما زالت فقد زالت وقد اجتنبناها، وأيضا فإنه لولا الاجماع ما أجزنا ذلك ههنا. وأيضا فإن لباس الثوب النجس حلال إلا في الصلاة وفرض الصلاة، أن يصلي قاصدا بنيته إلى لباس وثياب طاهرة عنده لا نجاسة فيه، فإذا صلى في ثوب هذه صفته، ناويا لذلك فقد أدى فرضه كما أمر بالنية التي أمر بها، وليس غسلها فرضا، لا يجزي سواه، بل لو قطعها أو انقطع موضعها من ثوبه، أو لبس ثوبا آخر أجزأه، فحسبنا أن يكون الثوب طاهرا لا نجاسة فيه، ولا نبالي كيف زالت النجاسة عنه، ولا فرق بين إجازة مالك النية للصوم لرمضان في أول ليلة منه،