الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٩٦
قال أبو محمد: علي بن أحمد، وحدثني أبو مروان عبد الملك بن أحمد المرواني قال:
سمعت أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المعروف بابن المكري، ونحن مقبلون من جنازة من الربض بعدوة نهر قرطبة، وقد سأله سائل فقال له: ما المقدار الذي إذا بلغه المرء حل له أن يفتي؟ فقال له إذا عرف موضع المسألة في الكتاب الذي، يقرأ حل له أن يفتي. ثم أخبرني أحمد بن الليث الأنسري، أنه حمل إليه وإلى القاضي أبي بكر يحيى بن عبد الرحمن بن واقد كتاب الاختلاف الأوسط لابن المنذر فلما طالعاه قالا له: هذا كتاب من لم يكن عنده في بيته لم يشم رائحة العلم، قال:
وزادني ابن واقد أن قال: ونحن ليس في بيوتنا، فلم نشم رائحة العلم.
قال أبو محمد: لم نأت بما ذكرنا احتجاجا لقولنا، ولكن إلزاما لهم ما يلتزمونه، فإن قول أكابر أهل بلادنا عندهم أثبت من العيان، وأولى بالطاعة مما رووا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
قد بينا صفة الطلب والمفتي والاجتهاد الذي نأمر به، ونصوب من فعله، وهو طلب الحكم في المسألة من نص القرآن، وصحيح الحديث، وطلب الناسخ من المنسوخ، وبناء الحديث بعضه مع بعض ومع القرآن، وبناء الآي بعضها مع بعض على ما بينا فيما سلف من كتابنا هذا ليس عليه غير هذا البتة، وإن طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصرا عصرا، ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا، ويحكم فيها القرآن والسنة، فلأيها حكم اعتقده وأفتى به واطرح سائرها، وإن لم يجد شيئا مما بلغه منها، في نص القرآن ولا في نص السنة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها بل عليه أن يأخذ بالنص وإن لم يبلغه أن قائلا قال به، لما قد بيناه في كلامنا في الاجماع من امتناع الإحاطة بأقوال العلماء السالفين، ومن قيام البرهان على أنه لا يخلو عصر من قائل الحق، فهذا هو الاجتهاد الصحيح الذي يؤجر من فعله على كل حال، فإن وافق الحق عند الله عز وجل أجر أجرا ثانيا على الإصابة، فحصل له أجران، وإن لم يوافق لادراك الحق لم يأثم، وقد حصل له أجر الطلب للحق وإرادته كما قال الشاعر:
وما كل موصوف له الحق يهتدي ولا كل من أم الصوى يستبينها
(٦٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 691 692 693 694 695 696 697 698 699 700 701 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722