والاختلاف، ومن أين قال كل قائل، وكيف يرد أقاويل المختلفين المتنازعين إلى الكتاب والسنة، فحسن، وفرض عليه تعلم كيفية البراهين التي يتميز بها الحق من الباطل، وكيف يعمل فيما ظاهره التعارض من النصوص، وكل هذا منصوص في القرآن. قال تعالى: * (ليتفقهوا في الدين) * فهذا إيجاب لتعلم أحكام القرآن، وأحكام أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، لان هذين أصل الدين، وقال تعالى:
* (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فوجب بذلك تعرف عدول النقلة من فساقهم، وفقهائهم ممن لم يتفقه منهم.
وأما معرفة الاجماع والاختلاف، فقد زعم أن هذا يجب بقوله تعالى:
* (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * قال: ففرض علينا معرفة ما اتفق عليه أولو الامر منا، لأننا مأمورون بطاعتهم، ولا يمكننا طاعتهم إلا بعد معرفة إجماعهم الذي يلزمنا طاعتهم فيه.
وأما معرفة الاختلاف، ومعرفة ما يتنازعون فيه، ومعرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة فبقوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * ففرض علينا معرفة ما يتنازعون فيه، ومعرفة كيف يرد ذلك إلى الكتاب والسنة، لأننا إن لم نعرف الاختلاف ظننا أن القول الذي نسمعه من بعض العلماء لا خلاف فيه، فنتبعه دون أن نعرضه على القرآن والسنة، فنخطئ ونعصي الله تعالى، إذ أخذنا قولا نهينا عن اتباعه.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لأننا إنما أمرنا تعالى بطاعة أولي الامر فيما نقلوه إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أن يقولوا من عند أنفسهم بحكم لا نص فيه فما جاز هذا قط لاحد أن يفعله، ولا حل لاحد قط أن يطيع من فعله. وقد توعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على هذا أشد الوعيد، فكيف على من دونه قال تعالى:
* (ولو تقول علينا بعض الأقاويل ئ لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ئ فما منكم من أحد عنه حاجزين) * فصح أن من قال في الدين بقول أضافه إلى الله تعالى فقد كذب، وتقول على الله تعالى الأقاويل. وأن من لم يضفه إلى الله تعالى، فليس من الدين أصلا، لكن معرفة الاختلاف علم زائد، قال سعيد بن جبير: أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف، وصدق سعيد، لأنه علم زائد، وكذلك معرفة من أين