الاحكام والمسائل وتمييزه لها، فهذه معاني الأسماء المذكورة في قولهم: فلان حافظ، وفلان عالم، وفلان فقيه.
فإن قال قائل: أيجوز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أنه فيما لم يؤمروا به ولا نهوا عنه، ولكنه مباح لهم، جائز كاجتهادهم فيما يجعلونه علما للدعاء إلى الصلاة، ولم يكن ذلك على إيجاب شريعة تلزم، وإنما كان إنذارا من بعضهم لبعض، كقول أحدنا لجاره إذا نهض للصلاة: قم بنا إلى الصلاة، حتى إذا نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بما وافق رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاري أبطل كل ما كانوا تراضوا به، وقد اجتهد قوم بحضرته صلى الله عليه وسلم فيمن هم السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر، فأخطأوا في ذلك حتى بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم من هم، ولم يعنفهم في اجتهادهم، وقد أخطؤوا فيه، ولكن بين عليه السلام أنهم لم يصيبوا، وأن الحق في خلاف ما قالوا كلهم.
فإنما يجوز الاجتهاد في تأويل مثل هذا، وفيما يعرف به بعضهم بعضا بحضور الصلاة وما أشبه ذلك، وأما في إيجاب فرض أو تحريم شئ أو ضرب حد، فحرام أن يجوز فيه لاحد اجتهاد برأيه فقط، أو قول بوجه من الوجوه، لأنهم كانوا يكونون بذلك شارعين ما لم يأذن به الله، ومفترين على الله تعالى، وقد نزههم الله تعالى عن ذلك وكل ما جاز لهم رضوان الله عليهم أن يجتهدوا فيه فهو جائز لنا، ولكل إلى يوم القيامة، وما حرم علينا من ذلك وغيره فقد كان حراما عليهم ولا فرق. وقد أفتى أبو السنابل باجتهاده في المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فأخذ بآية الأربعة أشهر وعشرا فأخطأ، وهو مجتهد فله أجر واحد لأنه لم يصب حكم الله تعالى.
وأما حديث معاذ فيما روي من قوله: أجتهد رأيي، وحديث عبد الله بن عمر وفي قوله: أجتهد بحضرتك يا رسول الله، فحديثان ساقطان.
أما حديث معاذ فإنما روي عن رجال من أهل حمص لم يسموا، وحديث عبد الله منقطع أيضا لا يتصل.
فإن قال قائل: أيجوز للأنبياء عليهم السلام الاجتهاد؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق.