الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٩٨
الاحكام والمسائل وتمييزه لها، فهذه معاني الأسماء المذكورة في قولهم: فلان حافظ، وفلان عالم، وفلان فقيه.
فإن قال قائل: أيجوز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أنه فيما لم يؤمروا به ولا نهوا عنه، ولكنه مباح لهم، جائز كاجتهادهم فيما يجعلونه علما للدعاء إلى الصلاة، ولم يكن ذلك على إيجاب شريعة تلزم، وإنما كان إنذارا من بعضهم لبعض، كقول أحدنا لجاره إذا نهض للصلاة: قم بنا إلى الصلاة، حتى إذا نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بما وافق رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاري أبطل كل ما كانوا تراضوا به، وقد اجتهد قوم بحضرته صلى الله عليه وسلم فيمن هم السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر، فأخطأوا في ذلك حتى بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم من هم، ولم يعنفهم في اجتهادهم، وقد أخطؤوا فيه، ولكن بين عليه السلام أنهم لم يصيبوا، وأن الحق في خلاف ما قالوا كلهم.
فإنما يجوز الاجتهاد في تأويل مثل هذا، وفيما يعرف به بعضهم بعضا بحضور الصلاة وما أشبه ذلك، وأما في إيجاب فرض أو تحريم شئ أو ضرب حد، فحرام أن يجوز فيه لاحد اجتهاد برأيه فقط، أو قول بوجه من الوجوه، لأنهم كانوا يكونون بذلك شارعين ما لم يأذن به الله، ومفترين على الله تعالى، وقد نزههم الله تعالى عن ذلك وكل ما جاز لهم رضوان الله عليهم أن يجتهدوا فيه فهو جائز لنا، ولكل إلى يوم القيامة، وما حرم علينا من ذلك وغيره فقد كان حراما عليهم ولا فرق. وقد أفتى أبو السنابل باجتهاده في المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فأخذ بآية الأربعة أشهر وعشرا فأخطأ، وهو مجتهد فله أجر واحد لأنه لم يصب حكم الله تعالى.
وأما حديث معاذ فيما روي من قوله: أجتهد رأيي، وحديث عبد الله بن عمر وفي قوله: أجتهد بحضرتك يا رسول الله، فحديثان ساقطان.
أما حديث معاذ فإنما روي عن رجال من أهل حمص لم يسموا، وحديث عبد الله منقطع أيضا لا يتصل.
فإن قال قائل: أيجوز للأنبياء عليهم السلام الاجتهاد؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق.
(٦٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 693 694 695 696 697 698 699 700 701 702 703 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722