له الفتيا وإلا فحرام عليه أن يفتي بين اثنين، أو أن يحكم بين اثنين، وحرام على الامام أن يقلده حكما أو يتيح له فتيا، وحرام على الناس أن يستفتوه لأنه إن لم يكن عالما بما ذكرنا، فلم يتفقه في الدين، وإن لم يكن مشفقا على دينه فهو فاسق، وإن لم يكن صليبا لم يأمر بمعروف، ولا نهى عن منكر، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على الناس قال تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) *. وهذا متوجه إلى العلماء بالمعروف وبالمنكر، لأنه لا يجوز أن يدعو إلى الخير إلا من علمه، ولا يمكن أن يأمر بالمعروف إلا من عرفه، ولا يقدر على إنكار المنكر إلا من يميزه.
فإن كان مع ما ذكرنا قويا على إنفاذ الأمور حسن السياسة حل له القضاء والامارة، وإلا فلا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: يا أبا ذر إني أحب إليك ما أحب لنفسي، إنك ضعيف فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم، وكان أبو ذر رضي الله عنه ممن له أن يفتي ولم يكن ممن له أن يقضي، لأنه لم يكن له حسن التأتي في تناول ما يريد، بل كانت فيه عجرفة ومهاجمة، ربما صار بها منذرا وقد أمر عليه السلام معاذا وأبا موسى - إذ بعثهما قاضيين على اليمن، ومعلمين للدين، وأميرين بأن ييسرا ولا ينفرا، هذا على عظيم فضل أبي ذر وكريم سوابقه في الاسلام، وزهده وورعه ورفضه للدنيا، وثباته على ما فارق عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وصدعه بالحق، وأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم، وتقدمه على أكثر الصحابة.
فحد الفقه هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن، ومن كلام المرسل بها، الذي لا تؤخذ إلا عنه، وتفسير هذا الحد - كما ذكرنا - المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها، والمعرفة بأحكام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه، وما صح نقله مما لو يصح، ومعرفة ما أجمع العلماء عليه، وما اختلفوا فيه، وكيف يرد الاختلاف إلى القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة.
وكل من علم مسألة واحدة من دينه على الرتبة التي ذكرنا، جاز له أن يفتي بها،