مسلم، ثنا زهير بن حرب، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الأخرى، وأما الكافر فيعطى بحساب ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأننا لم نقل إن الكافر ينعم في الآخرة إذا مات على كفره، وإنما قلنا: إن بعض أهل النار أشد عذابا من بعض وهذا إجماع الأمة، ونص القرآن والسنة الذي من خالفه كفر، وهذا الحديث حجة لنا عليهم، لان الكافر إذا أسلم فهو مؤمن، فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يظلمه حسنة مما عمل من حسنة في حال كفره ثم أسلم، فهي داخلة تحت هذا الوعد الصادق المضمون إنجازه، فصح أنه يجازى بها في الآخرة، فصح قولنا يقينا وبالله تعالى التوفيق.
وكذلك قوله تعالى: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) * قال أبو محمد: وهذا بيان جلي على أن السبب المانع من قبول نفقاتهم هو الكفر، فإذا ارتفع ذلك ارتفع السبب المانع من قبول نفقاتهم، فإذا ارتفع ذلك السبب فقد وجب قبول النفقات، وهذا نص القرآن والسنة وبالله تعالى التوفيق.
وأما وقت لزوم الشريعة فإنها تنقسم قسمين: شريعة تعتقد ويلفظ بها، وشريعة تعمل، وتنقسم هذه الشريعة قسمين: قسم في المال، وقسم على الأبدان، فأما شريعة الأموال فهي لازمة لكل صغير وكبير وجاهل بها، وعارف ومجنون وعاقل، لدلائل من النص وردت على العموم في الزكاة والاجماع على وجوب النفقات عليهم، وأما شرائع الأبدان والاعتقاد، فإنها تجب بوجهين: أحدهما: البلوغ مبلغ الرجال والنساء، وهو البلوغ المخرج عن حد الصبا. والثاني: بلوغ الشريعة إلى المرء.
وأما الحدود فإنها تلزم من عرف أن الذي فعل حرام وسواء علم أن فيه حدا أم لا.
وهذا لا خلاف فيه وأما من لم يعرف أن ما عمل حرام فلا حد عليه فيه، وبرهان ذلك قول الله تعالى: * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * فإنما جعل تعالى وجوب الحجة ببلوغ النذارة إلى المرء وقال تعالى: * (وأعرض عن الجاهلين) *، فأمر أن يهدر فعل الجاهل، وقال تعالى: * (لا تخونوا الله والرسول