قال كل قائل، فأما معرفة كيفية إقامة البرهان فبقوله تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * فلم نقل شيئا إلا ما قاله ربنا عز وجل وأوجبه علينا، والحمد لله رب العالمين. وإنما نحن منبهون على ما أمرنا الله تعالى، وموقفون على مواضع الأوامر التي مر عليها من يمر غافلا أو معرضا، ومنذرون قومنا فيما تفقهنا فيه، ونفرنا لتعلمه - بمن الله عز وجل علينا، كما أمرنا تعالى، إذ يقول: * (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * ولا نقول من عند أنفسنا شيئا ونعوذ بالله من ذلك، ولم يبح الله تعالى ذلك لاحد لا قديما ولا حديثا، وبالله تعالى نتأيد، وقال تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * ففرض علينا معرفة الناسخ من المنسوخ، وفرض على من قصد التفقه في الدين، كما ذكرنا أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته إليه في فهم كلام ربه تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب، ليفهم عن الله عز وجل وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون عالما بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به نزل القرآن، وبه يفهم معاني الكلام التي يعبر عنها باختلاف الحركات، وبناء الألفاظ، فمن جهل اللغة وهي الألفاظ الواقعة على المسميات، وجهل النحو الذي هو علم اختلاف الحركات الواقعة لاختلاف المعاني، فلم يعرف اللسان الذي به خاطبنا الله تعالى ونبينا صلى الله عليه وسلم، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه، لأنه يفتي بما لا يدري، وقد نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * وبقوله تعالى: * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) * وبقوله تعالى: * (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) * وقال تعالى: * (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) *.
وفرض على الفقيه أن يكون عالما بسير النبي صلى الله عليه وسلم، ليعلم آخر أوامره وأولها، وحربه صلى الله عليه وسلم لمن حارب، وسلمه لمن سالم، وليعرف على ماذا حارب، ولماذا وضع الحرب، وحرم الدم بعد تحليله، وأحكامه صلى الله عليه وسلم التي حكم بها، فمن كانت هذه صفته، وكان ورعا في فتياه، مشفقا على دينه صليبا في الحق، حلت