وكل ما سمي اجتهادا من غير ما ذكرنا فهو باطل وإفك، وزين بأن سمي اجتهادا كما سمي اللديغ سليما، والمهلكة مفازة، والأسود السخامي أبا البيضاء والأعمى بصيرا، وكما سمى قوم المسكر نبيذا، وطلاء وهو الخمر بعينها، ويبين ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
واعتراضها ههنا أمر نحتاج إلى تفسيره لغلط أكثر الناس فيه، وهو إيقاع اسم الحفظ واسم العلم واسم الفقه، على كل ما يستحق شيئا من هذه الأسماء، لأنها أسماء واقعة على صفات متغايرة، فوجب بيانها، فنفسر ذلك في علم الشريعة التي عرضنا في ديواننا هذا الكلام فيها، وبالله تعالى التوفيق، وبه عز وجل نتأيد لا إله إلا هو، فنقول وبالله تعالى نستعين:
الحفظ: اسم واقع على وصفه المرء، وهي ذكره لأكثر سواد ما صنف وجمع، وذكر في علمه وغرضه الذي قصد كحافظ سواد القرآن، وحافظ سواد الحديث ونصوصه، أو حافظ نصوص مسائل مذهبه الذي يقصد وينتحل.
فهذا معنى الحفظ.
وأما اسم العلم: فهو واقع على صفة في المرء، وهو اتساعه على الاشراف على أحكام القرآن، وروى الحديث صحيحه وسقيمه فقط، فإن أضاف إلى ذلك الوقوف على أقوال الناس، كان ذلك حسنا، كلما اتسع باع المرء في هذه المعاني زاد استحقاقه لاسم العلم، وهكذا في كل علم من العلوم، ويكون مع ذلك ذاكرا لأكثر ما عنده، وليس هذا حقيقة معنى لفظة العلم في اللغة، لكنه معناه في قولهم: فلان عالم، وفلان أعلم من فلان.
وأما تفسير لفظة العلم في اللغة فقد فسرناه في كتابنا هذا، وفي كتابنا الموسوم بالفصل.
وأما اسم الفقه: فهو واقع على صفة في المرء، وهي فهمه لما عنده، وتنبهه على حقيقة معاني ألفاظ القرآن والحديث، ووقوفه عليها، وحضور كل ذلك في ذكره متى أراده، ويزيد القياسيون علينا ههنا زيادة وهي: معرفته بالنظائر في