إن من ظن أن الاجتهاد يجوز لهم في شرع شريعة لم يوح إليهم فيها فهو كفر عظيم، ويكفي من إبطال ذلك أمره تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * وقوله: * (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) * وقوله تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لاخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين) * وأنه عليه السلام كان يسأل عن الشئ فينتظر الوحي ويقول: ما أنزل علي في هذا شئ ذكر ذلك في حديث في زكاة الحمير وميراث البنتين مع العم والزوجة وفي أحاديث جملة وإن كان السائل عن هذا يعني أيجوز عليه الاجتهاد في قبول شاهدين لعلهما مغفلان؟ فهذا جائز والحكم بيمين لعلها كاذبة؟ فهذا جائز، لأنه صلى الله عليه وسلم بهذا أمر نصا، وهو صلى الله عليه وسلم لم يؤت علم الغيب في كل موضوع، وإنما أمر بقبول الشاهدين العدلين عنده من المسلمين أو العدل كذلك مع يمين الطالب أو المرأة الواحدة في الرضاع، أو الكافرين في الوصية في السفر، أو الواحد على رؤية الهلال، أو الأربعة العدول في الزنى، أو المرأتين مكان الرجل، أو يمين المدعى عليه - إن مبطلا وإن محقا - ما لم يعلم هو ببطلان الشهادة، أو قوله: ويسلط الله من يشاء على ظلم من يشاء حتى ينصف كل مظلوم يوم الحشر * (ويوم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولا مثقال ذرة إلا جازى عليها إلا ما أسقط من ذلك بالتوبة أو باجتناب الكبائر.
وهذا الذي قلنا هو نص جلي، وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار وبقوله عليه السلام: من حلف على منبري هذا بيمين كاذبة حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار وبقوله عليه السلام: إذا قال له الحضرمي في خصمه: يا رسول الله إنه فاجر لا يرع عن شئ - وكان عليه السلام قد أوجب عليه اليمين - فقال السلام للحضرمي: ليس لك إلا ذلك وإذ قال له أصحابه حين قتل عبد الله بن سهل: يا رسول الله أتقبل أيمان يهودي؟ فلم يجعل لهم صلى الله عليه وسلم غير ذلك:
وبقوله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكم تائب.
فبين عليه السلام أنه إنما يفعل ما أمره به ربه تعالى، ولم يكلف قط أن يعطي الحق صاحبه بيقين، ولا أن يعلم عيب الشهود، ولا كلفنا نحن شيئا من ذلك