الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٩٩
إن من ظن أن الاجتهاد يجوز لهم في شرع شريعة لم يوح إليهم فيها فهو كفر عظيم، ويكفي من إبطال ذلك أمره تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * وقوله: * (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) * وقوله تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لاخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين) * وأنه عليه السلام كان يسأل عن الشئ فينتظر الوحي ويقول: ما أنزل علي في هذا شئ ذكر ذلك في حديث في زكاة الحمير وميراث البنتين مع العم والزوجة وفي أحاديث جملة وإن كان السائل عن هذا يعني أيجوز عليه الاجتهاد في قبول شاهدين لعلهما مغفلان؟ فهذا جائز والحكم بيمين لعلها كاذبة؟ فهذا جائز، لأنه صلى الله عليه وسلم بهذا أمر نصا، وهو صلى الله عليه وسلم لم يؤت علم الغيب في كل موضوع، وإنما أمر بقبول الشاهدين العدلين عنده من المسلمين أو العدل كذلك مع يمين الطالب أو المرأة الواحدة في الرضاع، أو الكافرين في الوصية في السفر، أو الواحد على رؤية الهلال، أو الأربعة العدول في الزنى، أو المرأتين مكان الرجل، أو يمين المدعى عليه - إن مبطلا وإن محقا - ما لم يعلم هو ببطلان الشهادة، أو قوله: ويسلط الله من يشاء على ظلم من يشاء حتى ينصف كل مظلوم يوم الحشر * (ويوم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولا مثقال ذرة إلا جازى عليها إلا ما أسقط من ذلك بالتوبة أو باجتناب الكبائر.
وهذا الذي قلنا هو نص جلي، وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار وبقوله عليه السلام: من حلف على منبري هذا بيمين كاذبة حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار وبقوله عليه السلام: إذا قال له الحضرمي في خصمه: يا رسول الله إنه فاجر لا يرع عن شئ - وكان عليه السلام قد أوجب عليه اليمين - فقال السلام للحضرمي: ليس لك إلا ذلك وإذ قال له أصحابه حين قتل عبد الله بن سهل: يا رسول الله أتقبل أيمان يهودي؟ فلم يجعل لهم صلى الله عليه وسلم غير ذلك:
وبقوله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكم تائب.
فبين عليه السلام أنه إنما يفعل ما أمره به ربه تعالى، ولم يكلف قط أن يعطي الحق صاحبه بيقين، ولا أن يعلم عيب الشهود، ولا كلفنا نحن شيئا من ذلك
(٦٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 694 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722