الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٣٣
فشكوا سعاة عثمان، فقال لي علي: اذهب بهذه الصحيفة إلى عثمان، فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون بها، فأتيته بها، فقال أغنها عنا.
فأتيت بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخبرته، فقال: ضعها حيث أخذتها.
فقد صح كما ترى في بطلان قول من يدعي حجة بعمل أهل المدينة أو غيرهم، ووجب أن لا حجة إلا فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر عمر رضي الله عنه على حسان إنشاده الشعر في المسجد، فلما قال له: قد أنشدت فيه وفيه من هو خير منك، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت عمر ومضى، فهذا كله يبين أن لا حجة في قول أحد ولا في علمه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قالوا: مالك أتى متأخرا فتعقب. قيل لهم: فتقليد من أتى بعد مالك فتعقب عليه أولى، كالشافعي وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم، إلى أن يبلغ الامر إلينا، ثم إلى من بعدنا.
قال علي: والصحيح من ذلك أن أبا حنيفة ومالكا - رحمهما الله - اجتهدا وكانا مما أمرا بالاجتهاد، إذ كل مسلم ففرض عليه أن يجتهد في دينه، وجريا على طريق من سلف في ترك التقليد، فأجرا فيما أصابا فيه أجرين، وأجرا فيما أخطأ فيه أجرا واحدا، وسلما من الوزر في ذلك على كل حال.
وهكذا حال كل عالم ومتعلم غيرهما، ممن كان قبلهما، وممن كان معهما، وممن أتى بعدهما أو يأتي، ولا فرق، فقلدهما من شاء الله عز وجل، ممن أخطأ وابتدع، وخالف أمر الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وما كان عليه القرون الصالحة وما توجبه دلائل العقل، واتبع هواه بغير هدى من الله فضل وأضل.
وكذلك المقلدون للشافعي رحمه الله، إلا أن الشافعي رضي الله عنه أصل أصولا الصواب فيها أكثر من الخطأ، فالمقلدون له أعذر في اتباعه فيما أصاب فيه، وهم ألوم وأقل عذرا في تقليدهم إياه فيما أخطأ فيه.
وأما أصحاب الظاهر فهم أبعد الناس من التقليد، فمن قلد أحدا مما يدعي أنه منهم فليس منهم، ولم يعصم أحد من الخطأ، وإنما يلام من اتبع قولا لا حجة عنده به،
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258