فشكوا سعاة عثمان، فقال لي علي: اذهب بهذه الصحيفة إلى عثمان، فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون بها، فأتيته بها، فقال أغنها عنا.
فأتيت بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخبرته، فقال: ضعها حيث أخذتها.
فقد صح كما ترى في بطلان قول من يدعي حجة بعمل أهل المدينة أو غيرهم، ووجب أن لا حجة إلا فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر عمر رضي الله عنه على حسان إنشاده الشعر في المسجد، فلما قال له: قد أنشدت فيه وفيه من هو خير منك، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت عمر ومضى، فهذا كله يبين أن لا حجة في قول أحد ولا في علمه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قالوا: مالك أتى متأخرا فتعقب. قيل لهم: فتقليد من أتى بعد مالك فتعقب عليه أولى، كالشافعي وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم، إلى أن يبلغ الامر إلينا، ثم إلى من بعدنا.
قال علي: والصحيح من ذلك أن أبا حنيفة ومالكا - رحمهما الله - اجتهدا وكانا مما أمرا بالاجتهاد، إذ كل مسلم ففرض عليه أن يجتهد في دينه، وجريا على طريق من سلف في ترك التقليد، فأجرا فيما أصابا فيه أجرين، وأجرا فيما أخطأ فيه أجرا واحدا، وسلما من الوزر في ذلك على كل حال.
وهكذا حال كل عالم ومتعلم غيرهما، ممن كان قبلهما، وممن كان معهما، وممن أتى بعدهما أو يأتي، ولا فرق، فقلدهما من شاء الله عز وجل، ممن أخطأ وابتدع، وخالف أمر الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وما كان عليه القرون الصالحة وما توجبه دلائل العقل، واتبع هواه بغير هدى من الله فضل وأضل.
وكذلك المقلدون للشافعي رحمه الله، إلا أن الشافعي رضي الله عنه أصل أصولا الصواب فيها أكثر من الخطأ، فالمقلدون له أعذر في اتباعه فيما أصاب فيه، وهم ألوم وأقل عذرا في تقليدهم إياه فيما أخطأ فيه.
وأما أصحاب الظاهر فهم أبعد الناس من التقليد، فمن قلد أحدا مما يدعي أنه منهم فليس منهم، ولم يعصم أحد من الخطأ، وإنما يلام من اتبع قولا لا حجة عنده به،