به وألوم من هذا من اتبع قولا وضح البرهان على بطلانه فتمادى ولج في غيه، وبالله تعالى التوفيق.
وألوم من هذين وأعظم جرما من يقيم على قول يقر أنه حرام، وهم المقلدون الذين يقلدون ويقرون أن التقليد حرام، ويتركون أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ويقرون أنها صحاح وأنها حق، فمن أضل من هؤلاء؟ نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله الهدى والعصمة، فكل شئ بيده لا إله إلا هو.
قال أبو محمد: وقد قال بعضهم: قد صح ترك جماعات من الصحابة والتابعين لكثير مما بلغهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو من أن يكونوا تركوه مستخفين به، وهذا كفر من فاعله. أو يكونوا تركوه لفضل علم كان عندهم فهذا أولى أن يظن بهم.
قال علي: وهذا يبطل من وجوه، أحدها أنه قال قائل: لعل الحديث الذي تركه متركه منهم فيه داخلة. قيل له: ولعل الرواية التي رويت بأن فلانا الصاحب ترك حديثا كذا هي المدخولة، وما الذي جعل أن تكون الداخلة في رواة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من أن تكون في النقلة الذين رووا ترك من تركها، وأيضا فإن قوما منهم تركوا بعض الحديث، وقوما منهم أخذوا بذلك الحديث الذي ترك هؤلاء فلان فرق بين من قال: لا بد من أنه كان عند من تركه علم من أجله ركه، وبين من قال: لا بد من أنه كان عند من عمل به علم من أجله عمل به، وكل دعوى عريت من برهان فهي ساقطة. وقد قدمنا أنه لا يستوحش لمن ترك العمل بالحق، سواء تركه مخطئا معذورا أو تركه عاصيا موزورا، ولا يتكثر بمن عمل به كائنا من كان، وسواء عمل به أو تركه وفرض على كل من سمعه أن يعمل به على كل حال.
وأيضا فإن الأحاديث التي روي أنه تركها بعض من سلف، ليست في أكثر الامر التي ترك هؤلاء المحتجون بترك من سلف لما تركوا منها، بل ترك هؤلاء ما أخذ به أولئك، وأخذ هؤلاء، بما تركه أولئك، فلا حجة لهم في ترك بعض ما سلف لما ترك من الحديث. لأنهم أول مخالف لهم في ذلك، وأول مبطل لذلك