وهو أول الناس ينهى عن تقليده، والعجب من دعواهم أنهم أخذوا بالآخر من فعله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بالأول المنسوخ لذلك فما حضرنا ذكره - مما تركوا فيه آخر فعله صلى الله عليه وسلم وأخذوا بالأول المنسوخ. فإنهم لم يجيزوا أن يأتي الامام المعهود، وقد بدأ خليفته على الصلاة بالصلاة، فدخل الامام المعهود فيتم الصلاة ويبني سائر من خلفه على من كبروا في أول صلاتهم. ويصير الامام الذي ابتدأ الصلاة مأموما، وهذه آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس في مرضه الذي مات فيه، فأبطلوا هذه الصلاة وأجازوا أن يخرج الامام من الصلاة لعذر أصابه ويستخلف من يتم بالناس صلاتهم، وهذا ما لم يأت فيه نص ولا إجماع، ولم يروا الصلاة خلف الامام القاعد، والأصحاء وراءه قعود أو قيام، وهذه صفة آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلقوا بحديث رواه الجعفي - وهو كذاب - عن الشعبي مرسلا:
لا يؤمن أحد بعدي جالسا وهي رواية كوفية. وهم يردون الصحيح من رواية أهل الكوفة، ويتعلقون بهذه الرواية التي لا شك في كذبها من روايات أهل الكوفة. وكرهوا التكبير بتكبير الامام، وأبطلوا في نص روايتهم صلاة المذكور، وهذه صفة آخر صلاة صلاها أبو بكر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة جميع المهاجرين والأنصار، إلا الأقل منهم، وتركوا إباحة الشرب لكل ما لا يسكر من المباحات في جميع الظروف - وهو الناسخ، وأخذوا بالنهي عن الدباء والمزفت وهو منسوخ بالنص الجلي، وكان ذلك في أول الاسلام.
وتركوا ما في سورة براءة - وهي آخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه لا تؤخذ جزية إلا من كتابي، وتركوا أيضا ما فيها من قوله تعالى ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله وتعلقوا بحديث تخيير من أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، لأنه لا يجوز أن يوجد أحد نكح أكثر من أربع نكاحا جائزا، لان نكاح من نكح خامسة اليوم باطل حين عقده إياه، مفسوخ لا يجوز - وإن جوزه الكفار - لان الله تعالى قد حرمه، وتحريم الله تعالى لاحق بهم لازم لهم.