الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
الترك. ولا أسوأ من احتجاج امرئ بما يبطل على من لا يحقق ذلك الاحتجاج بل يبطله كإبطال المحتج به له أو أشد.
وأيضا فلو صح ما افتروه - من أنه كان عند الصاحب التارك لبعض الحديث علم من أجله ترك ما ترك من الحديث، ونعوذ بالله العظيم من ذلك، ونعيذ كل من يظن به خيرا من مثل ما نسبوا إلى أفاضل هذه الأمة المقدسة - لوجب أن يكون من فعل ذلك ملعونا بلعنة الله عز وجل. قال الله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * فنحن نقول: لعن الله كل من كان عنده علم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتمه عن الناس كائنا من كان. ومن نسب هذا إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فقد نسبهم إلى الادخال في الدين وكيد الشريعة وهذا أشد ما يكون من الكفر.
وقد عارضت بنحو من هذا الكلام الليث بن حرفش العبدي في مجلس القاضي عبد الرحمن بن أحمد ببشر رحمه الله، وفي حفل عظيم من فقهاء المالكيين، فما أحد منهم أجاب بكلمة معارضة، بل صمتوا كلهم، إلا قليل منهم أجابوني بالتصديق لقولي: وذلك أني قلت له: لقد نسبت إلى مالك رضي الله عنه ما لو صح عنه لكان أفسق الناس، وذلك أنك تصفه بأنه أبدى إلى الناس، المعلول والمتروك والمنسوخ من روايته، وكتمهم المستعمل والسالم والناسخ حتى مات ولم يبده إلى أحد، وهذه صفة من يقصد إفساد الاسلام والتدليس على أهله، وقد أعاذه الله من ذلك، بل كان عندنا أحد الأئمة الناصحين لهذه الملة، ولكنه أصاب وأخطأ، واجتهد فوفق وحرم، كسائر العلماء ولا فرق، أو كلاما هذا معناه، وقد افترض الله تعالى التبليغ على كل عالم، وقد قال عليه السلام مخبرا: إن من كتم علما عنده فسئل عنه ألجم يوم القيام بلجام من نار.
فإن قالوا: بل ما كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يصح إلا وقد أبداه ورواه للناس، وبلغه كما يحق في علمه وروعه قلنا: صدقتم، وهذه صفته عندنا، ونحن على اتباع روايته ورواية غيره من العدول لأنه عدل، وقد أمرنا بقبول خبر العدل. ونحن على رفض رأيه ورأي غيره لقيام البرهان على تحريم التقليد،
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258