الترك. ولا أسوأ من احتجاج امرئ بما يبطل على من لا يحقق ذلك الاحتجاج بل يبطله كإبطال المحتج به له أو أشد.
وأيضا فلو صح ما افتروه - من أنه كان عند الصاحب التارك لبعض الحديث علم من أجله ترك ما ترك من الحديث، ونعوذ بالله العظيم من ذلك، ونعيذ كل من يظن به خيرا من مثل ما نسبوا إلى أفاضل هذه الأمة المقدسة - لوجب أن يكون من فعل ذلك ملعونا بلعنة الله عز وجل. قال الله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * فنحن نقول: لعن الله كل من كان عنده علم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتمه عن الناس كائنا من كان. ومن نسب هذا إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فقد نسبهم إلى الادخال في الدين وكيد الشريعة وهذا أشد ما يكون من الكفر.
وقد عارضت بنحو من هذا الكلام الليث بن حرفش العبدي في مجلس القاضي عبد الرحمن بن أحمد ببشر رحمه الله، وفي حفل عظيم من فقهاء المالكيين، فما أحد منهم أجاب بكلمة معارضة، بل صمتوا كلهم، إلا قليل منهم أجابوني بالتصديق لقولي: وذلك أني قلت له: لقد نسبت إلى مالك رضي الله عنه ما لو صح عنه لكان أفسق الناس، وذلك أنك تصفه بأنه أبدى إلى الناس، المعلول والمتروك والمنسوخ من روايته، وكتمهم المستعمل والسالم والناسخ حتى مات ولم يبده إلى أحد، وهذه صفة من يقصد إفساد الاسلام والتدليس على أهله، وقد أعاذه الله من ذلك، بل كان عندنا أحد الأئمة الناصحين لهذه الملة، ولكنه أصاب وأخطأ، واجتهد فوفق وحرم، كسائر العلماء ولا فرق، أو كلاما هذا معناه، وقد افترض الله تعالى التبليغ على كل عالم، وقد قال عليه السلام مخبرا: إن من كتم علما عنده فسئل عنه ألجم يوم القيام بلجام من نار.
فإن قالوا: بل ما كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يصح إلا وقد أبداه ورواه للناس، وبلغه كما يحق في علمه وروعه قلنا: صدقتم، وهذه صفته عندنا، ونحن على اتباع روايته ورواية غيره من العدول لأنه عدل، وقد أمرنا بقبول خبر العدل. ونحن على رفض رأيه ورأي غيره لقيام البرهان على تحريم التقليد،