الصحيفة حيث وجدتها، وأن عمارا قال لعمر في حديث التيمم: أما والله يا أمير المؤمنين لئن شئت - لما جعل الله لك علي من الحق - ألا أحدث بذلك أبدا فعلت. فقال له عمر: لا، ولكن نوليك من ذلك ما توليت، وأن ابن عباس لم يلتفت لرواية أبي هريرة في الوضوء مما مست النار، ولا رواية الحكم بن عمرو الغفاري في الوضوء من فضل المرأة، ولا رواية علي في النهي عن المتعة، ولا رواية أبي سعيد الخدري في النهي عن الدرهم بالدرهمين يدا بيد، وابن عمر ذكرت له رواية أبي هريرة في كلب الزرع فقال: إن لأبي هريرة زرعا، وإن معاوية لم يلتفت لرواية عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء في النهي عن الفضة بالفضة بتفاضل يدا بيد.
فهؤلاء، أبو بكر وعثمان وعلي وعائشة وعمار وابن عباس وابن عمر ومعاوية ذكروا نحو هذا أيضا عن نفر من التابعين.
قال علي: وقولهم هذا دحض بالبرهان الظاهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وهو أنه يقال لمن ذم الاكثار من الرواية: أخبرنا عن الرواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخير هي أم شر؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث، فإن قال: هي خير، فالاكثار من الخير خير، وإن قال: هي شر، فالقليل من الشر شر، وهم قد أخذوا منه بنصيب، فيلزمهم أن يعترفوا بأنهم يتعلمون الشر ويعلمون به، أما نحن فلسنا نقر بذلك، بل نقول: إن الاكثار منها لطلب ما صح هو الخير كله.
وأيضا فنقول لهم: عرفونا حد الاكثار من الرواية المذمومة عندكم، لنعرف ما تكرهون، وحد غير الاكثار المستحب عندكم، فإن حدوا في ذلك حدا كانوا قد قالوا بالباطل: وشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقالوا بلا برهان وبغير علم، وإن لم يجدوا في ذلك حدا كانوا قد حصلوا في أسخف منزلة، إذ لا يدرون ما ينكرون ولا يحسنون. وهذا هو الضلال ونعوذ بالله منه.
وأيضا فيقال لهم: ما الذي جعل أن يكون ما رواه مالك من الحديث خيرا، ويكون ما رواه شرا دون أن تكون القصة معكوسة، ونحن نعوذ بالله من كل ذلك، بل الخير كله التفقه في الآثار والقرآن، وضبط ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.