الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٤٦
الصحيفة حيث وجدتها، وأن عمارا قال لعمر في حديث التيمم: أما والله يا أمير المؤمنين لئن شئت - لما جعل الله لك علي من الحق - ألا أحدث بذلك أبدا فعلت. فقال له عمر: لا، ولكن نوليك من ذلك ما توليت، وأن ابن عباس لم يلتفت لرواية أبي هريرة في الوضوء مما مست النار، ولا رواية الحكم بن عمرو الغفاري في الوضوء من فضل المرأة، ولا رواية علي في النهي عن المتعة، ولا رواية أبي سعيد الخدري في النهي عن الدرهم بالدرهمين يدا بيد، وابن عمر ذكرت له رواية أبي هريرة في كلب الزرع فقال: إن لأبي هريرة زرعا، وإن معاوية لم يلتفت لرواية عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء في النهي عن الفضة بالفضة بتفاضل يدا بيد.
فهؤلاء، أبو بكر وعثمان وعلي وعائشة وعمار وابن عباس وابن عمر ومعاوية ذكروا نحو هذا أيضا عن نفر من التابعين.
قال علي: وقولهم هذا دحض بالبرهان الظاهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وهو أنه يقال لمن ذم الاكثار من الرواية: أخبرنا عن الرواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخير هي أم شر؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث، فإن قال: هي خير، فالاكثار من الخير خير، وإن قال: هي شر، فالقليل من الشر شر، وهم قد أخذوا منه بنصيب، فيلزمهم أن يعترفوا بأنهم يتعلمون الشر ويعلمون به، أما نحن فلسنا نقر بذلك، بل نقول: إن الاكثار منها لطلب ما صح هو الخير كله.
وأيضا فنقول لهم: عرفونا حد الاكثار من الرواية المذمومة عندكم، لنعرف ما تكرهون، وحد غير الاكثار المستحب عندكم، فإن حدوا في ذلك حدا كانوا قد قالوا بالباطل: وشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقالوا بلا برهان وبغير علم، وإن لم يجدوا في ذلك حدا كانوا قد حصلوا في أسخف منزلة، إذ لا يدرون ما ينكرون ولا يحسنون. وهذا هو الضلال ونعوذ بالله منه.
وأيضا فيقال لهم: ما الذي جعل أن يكون ما رواه مالك من الحديث خيرا، ويكون ما رواه شرا دون أن تكون القصة معكوسة، ونحن نعوذ بالله من كل ذلك، بل الخير كله التفقه في الآثار والقرآن، وضبط ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258