المدينة؟ فقوموا إلى إخوانكم فعلموهم، فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعا من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير. فلما قدم علي رأى رخص الشعير، قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعا من كل شئ.
قال علي: وهذا الحديث قبل كل شئ لا يصح، لوجوه ظاهرة:
أولها: أن الكذب والتوليد والوضع فيه ظاهر كالشمس: لأنه لا خلاف بين أحد من أهل العلم بالاخبار، أن يوم الجمل كان لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ثم أقام علي بالبصرة باقي جمادى الآخرة، وخرج راجعا إلى الكوفة في صدر رجب، وترك ابن عباس بالبصرة أميرا عليها، ولم يرجع علي بعدها إلى البصرة هذا ما لا خلاف فيه من أحد له علم بالاخبار. وفي الخبر المذكور ذكر تعليم ابن عباس أهل البصرة صدقة الفطر، ثم قدم علي بعد ذلك وهذا هو الكذب البحت الذي لا خفاء فيه.
ووجه ثان: أن الحسن لم يسمع من ابن عباس أيام ولايته البصرة شيئا، ولا كان الحسن يومئذ بالبصرة، وإنما كان بالمدينة هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من نقلة الحديث. وأيضا وجه ثالث: فإنه حديث مفتعل لا يصح، لان البصرة فتحها وبناها - سنة أربع عشرة من الهجرة - عتبة بن غزوان المازني بدري مدني، ووليها بعده المغيرة بن شعبة، وأبو موسى، وعبد الله بن عامر، وكلهم مدنيون، ونزلها من الصحابة المدنيين أزيد من ثلاثمائة رجل، منهم عمران بن الحصين، وأنس بن مالك، وهشام بن عامر، والحكم بن عمرو، وغيرهم، وفتحت أيام عمر بن الخطاب وتداولها ولاته إلى أن وليها ابن عباس بعد صدر كبير من سنة ست وثلاثين من الهجرة، فلم يكن في هؤلاء كلهم من يخبرهم بزكاة الفطر، بل ضيعوا ذلك وأهملوه واستخفوا به أو جهلوه مدة أزيد من اثنين وعشرين عاما، مدة خلافة عمر بن الخطاب، وعثمان رضوان الله عليهم، حتى وليهم ابن عباس بعد يوم الجمل.
أترى عمر وعثمان ضيعا إعلام رعيتهما هذه الفريضة، أترى أهل البصرة لم يحجوا أيام عمر وعثمان، ولا دخلوا المدينة، فغابت عنهم زكاة الفطر إلى بعد يوم الجمل؟
إن هذا لهو الضلال المبين، والكذب المفترى، ونسبة البلاء إلى الصحابة رضوان