الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٤٧
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على أن يبلغ عنه، وهذا التفقه والنذارة التي أمر الله تعالى بها، وليت شعري، إذا كان الاكثار من الحديث شرا فأين الخير؟ أفي التقليد الذي لا يلزمه إلا جاهل أو فاسق؟ أم في التحكم في دين الله عز وجل بالآراء الفاسدة التي قد حذر الله تعالى منها، وزجر النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
وفخر بعضهم بأن مالكا كان يسقط من موطئه كل سنة وإنه لم يحدث بكثير مما كان عنده.
قال علي: هذا فخر من يريد أن يمدح فيذم، ويريد أن يبني فيهدم، ولا يخلو ما حدث به مالك وما لم يحدث به من أن يكون حدث بالصحيح عنده، وترك ما لم يصح فقد أحسن. وكذا كل من حدث أيضا بما يصح عنده ممن ليس مالك بأعلم منه، ولا أروع كسفيان وشعبة والأوزاعي وأيوب وغيرهم، وأن يكون حدث بالسقيم وكتم الصحيح، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك، لان هذه صفة أفسق الفاسقين، أو يكون حدث بسقيم وصحيح، وكتم صحيحا وسقيما، فمن فعل ذلك فهو آثم وملعون لكتمانه علما صحيحا عنده، فبطل ما أرادوا يمدحوه به، وعاد ذما عظيما لو صح عليه ذلك، وأعوذ بالله من ذلك.
وبرهان آخر يوضح كذب من قال هذا، وهو أن الموطأ ألفه مالك رضي الله عنه بعد موت يحيى بن سعيد الأنصاري بلا شك، ومات يحيى بن سعيد في سنة ثلاث وأربعين ومائة. ولسنا نقول هذا بظننا بل يقينا، فهكذا روينا بإسناد متصل إلى يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لقينا مالكا قبل أن يصنف، ولقيناه سنة اثنتين وأربعين ومائة بعد موت موسى بن عقبة بسنة، ولم يزل الموطأ يروى عن مالك منذ ألفه، طائفة بعد طائفة، وأمة بعد أمة، وآخر من رواه عنه من الثقات أبو المصعب الزهري لصغر سنه، وعاش بعد موت مالك ثلاثا وستين سنة، وموطؤه أكمل الموطآت، لأنه فيه خمسمائة حديث وتسعين حديثا بالمكرر أما بإسقاط التكرار فخمسمائة حديث وتسعة وخمسون حديثا، وكان سماع ابن وهب للموطأ من مالك قبل سماع أبي المصعب بدهر، وكذلك سماع ابن القاسم، ومعن بن عيسى، وليس في موطأ ابن القاسم إلا خمسمائة حديث وثلاثة أحاديث،
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258