الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وألزمهم كتمانها وجحدها وأن لا يذكروها لاحد، فهذا خروج عن الاسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، ولئن كان سائر الصحابة متهمين في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فما عمر إلا واحد منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلا، ولئن كان حسبهم وغيرهم متهمين لقد ظلمهم، فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة أي الطريقتين الخبيثتين شاء، ولا بد له من أحدهما، وإنما معنى نهي عمر رضي الله عنه من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح، فهو بين في الحديث الذي أوردناه من طريق قرظة، وإنما نهى عن الحديث بالاخبار عمن سلف من الأمم وعما أشبه.
وأما بالسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن النهي عن ذلك هو مجرد، وهذا ما لا يحل لمسلم أن يظنه ممن دون عمر من عامة المسلمين، فكيف بعمر رضي الله عنه. ودليل ما قلنا: أن عمر قد حدث بحديث كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كان الحديث عنه عليه السلام مكروها، فقد أخذ عمر من ذلك بأوفر نصيب، ولا يحل لمسلم أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه نهى عن شئ وفعله، لأنه قد روي عنه رضوان الله عليه خمسمائة حديث ونيف، على قرب موته من موت النبي صلى الله عليه وسلم فصح أنه كثير الرواية، والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما في الصحابة أكثر رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب، إلا بضعة عشر منهم فقط. فصح أنه قد أكثر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فصح بذلك التأويل الذي ذكرنا لكلامه رضي الله عنه، وهكذا القول فيما روي من ذلك عن معاوية رضي الله عنه، ولا فرق.
وقد جاء ما قلناه عن عمر رضي الله نصا دون تأويل، كما أنبأ عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية القرشي، ثنا ابن خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن عمر بن الخطاب قال: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنة أعلم بكتاب الله عز وجل.
قال علي: وقد صح بهذا أن عمر أمر بتعليم السنن، وأخبر أنها تبين القرآن فصح ما قلناه يقينا بلا مرية، وارتفع اللبس، والحمد لله رب العالمين.
وأعجب من هذا كله: أن المالكيين المحتجين بأن عمر رضي الله عنه حبس
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258