الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٤٢
المؤدي إلى خلاف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ترك عمله، وسقط العذر عمن خالف ما بلغه من السنن بلوغه إليه، وقيام الحجة به عليه، فلم يبق إلا العناد والجهل، والتقليل والاثم.
وعلى هذا الطريق كان الصحابة رضي الله عنهم، وكثير من التابعين يرحلون في طلب الحديث الواحد الأيام الكثيرة، وقد رحل أبو أيوب من المدينة إلى مصر، إلى عقبة بن عامر في حديث واحد. وكتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحل علقمة والأسود إلى عائشة وعمر رضي الله عنهما، ورحل علقمة إلى أبي الدرداء بالشام. فقد بينا وجه ترك من ترك بعض الحديث وأزحنا العلة في ذلك، ورفعنا الاشكال جملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال أبو محمد: وقد موه بعضهم بأن قال:
إن ابن مسعود كان يسأل عن الشئ فيتركه حتى يأتي المدينة.
قال علي: وإنما كان هذا في مسألتين فقط وهي: مسألة نكاح الام التي لم يدخل بابنتها فخالفه عمر، وقد صح عن زيد بن ثابت - وهو مدني - مثل قول ابن مسعود. والثانية: بيعه نفاية بيت المال، ثم رجع عن ذلك.
قال علي: وكيف يكون هذا والصحيح أن ابن مسعود قال مخبرا عن نفسه:
ما من سورة من كتاب الله تعالى إلا وأنا أدري فيما نزلت، ولو أني أعلم مكان رجل أعلم مني بكتاب الله عز وجل تبلغني إليه الإبل لاتيته. فكيف يرجع إلى قول غيره من هذه صفته؟ ولقد صدق رضي الله عنه، وهو الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك بعهده، وأن يؤخذ القرآن عنه وعن ثلاثة مذكورين معه، وقد صح أن عمر بن الخطاب أمر برجم مجنونة، فرده عن ذلك - على وهو كوفي - وكذلك وجد عند المغيرة خبر إملاص المرأة - وهو كوفي - لم يكن عند أهل المدينة.
قال علي: وقد موه بعضهم بأن ذكر ما حدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا عمر بن عبد الملك، ثنا محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا محمد بن المثنى، ثنا سهل بن يوسف، قال حميد: أنبأ عن الحسن قال: خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة فقال: أخرجوا صدقة صومكم، فكأن الناس لم يعلموا، فقال من ههنا من أهل
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258