تكون ضرريتها باعتبار كونها منتهية إلى الضرر ولو بواسطة أو وسائط، فإنها - كما أشرنا إليه (1) - محققة لموضوع الطاعة وحصول بعض المبادئ في نفس المكلف - كالخوف، والطمع، وغيرهما - موجبة لانبعاثه بعد تحقق مقدمات الانبعاث: من التصور، والتصديق بالفائدة، والشوق، والإرادة، ثم الانبعاث والإيجاد خارجا، وإنما يكون وجود المتعلق في الخارج ضرريا، فحينئذ قد يكون المتعلق علة وسببا توليديا للضرر، وقد يكون معدا أو منتهيا إليه ولو بوسائط.
مثلا: قد يكون نفس الصوم ضرريا، وقد يكون موجبا لليبوسة، وهي ضررية، وكذا الكلام في لزوم البيع، فإن نفس اللزوم لا يكون ضرريا، بل البيع نفسه ضرري، فحينئذ قد يكون البيع ضرريا بذاته، وقد يترتب عليه الضرر ترتبا ثانويا، أو ترتبا مع الوسائط، بل قد يكون بيع متاع بقيمة رخيصة موجبا لتنزل المتاع والضرر الفاحش على واجديه، وقد يكون موجبا للغلاء والقحط وحصول الضرر على فاقديه، وقد يكون بيع الدار المحبوبة موجبا للضرر على الأهل والأولاد، وقد يكون موجبا للإضرار بالجار والشريك.
إذا عرفت ذلك نقول: لو كانت الأحكام قد توجب الضرر بنحو العلية والسببية التوليدية، وقد توجب بنحو الإعداد، وقد تلزمه لزوما أوليا، وقد تلزمه لزوما ثانويا، يمكن أن يدعى أن المنفي بقوله: (لا ضرر) هو الأحكام