«كذلك العذاب» جملة من مبتدأ وخبر مقدم لإفادة القصر والألف واللام للعهد اي مثل الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا «ولعذاب الآخرة أكبر» أعظم وأشد «لو كانوا يعلمون» انه أكبر لاحترزوا عما يؤديهم اليه «إن للمتقين» اي من الكفر والمعاصي «عند ربهم» اي في الآخرة أو في جوار القدس «جنات النعيم» جنات ليس فيها الا التنعم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال كما عليه نعيم الدنيا وقوله تعالى «أفنجعل المسلمين كالمجرمين» تقرير لما قبله من فوز المتقين بجنات النعيم ورد لما يقوله الكفرة عند سماعهم بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين فيها فإنهم كانوا يقولون ان صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا وأقصى أمرهم أن يساوونا والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين ثم قيل لهم بطريق الالتفات لتأكيد الرد وتشديده «ما لكم كيف تحكمون» تعجيبا من حكمهم واستبعادا له وإيذانا بأنه لا يصدر عن عاقل «أم لكم كتاب» نازل من السماء «فيه تدرسون» أي تقرؤن «إن لكم فيه لما تخيرون» أي ما تتخيرونه وتشتهونه وأصله أن لكم بالفتح لأنه مدروس فلما جيء باللام كسرت ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله تعالى وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين وتخير الشيء واختياره اخذ خيره «أم لكم أيمان علينا» اي عهود مؤكدة بالأيمان «بالغة» متناهية في التوكيد وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين «إلى يوم القيامة» متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم يومئذ ونعطيكم ما تحكمون أو ببالغة اي ايمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهي اليه وافرة لم تبطل منها يمين «إن لكم لما تحكمون» جواب القسم لان معنى أم لكم علينا ايمان
(١٧)