تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٩
به والانتقام منه أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه فاني عالم بما يستحقه من العذاب ومطيق له والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها من أحوالهم المحكية اي وإذا كان حالهم في الآخرة كذلك فذرني ومن يكذب بهذا القرآن وتوكل على في الانتقام منه وقوله تعالى «سنستدرجهم» استئناف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد من الأمر السابق اجمالا والضمير لمن والجمع باعتبار معناها كما أن الافراد في يكذب باعتبار لفظها اي سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالاحسان وإدامة الصحة وازدياد النعمة «من حيث لا يعلمون» انه استدراج وهو الانعام عليهم بل يزعمون انه ايثار لهم وتفضيل على المؤمنين مع انه سبب لهلاكهم «وأملي لهم» وأمهلهم ليزدادوا اثما وهم يزعمون أن ذلك لإرادة الخير بهم «إن كيدي متين» لا يوقف عليه ولا يدفع بشيء وتسمية ذلك كيدا لكونه في صورة الكيد «أم تسألهم» على الابلاغ والارشاد «أجرا» دنيويا «فهم» لأجل ذلك «من مغرم» أي غرامة مالية «مثقلون» مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك «أم عندهم الغيب» اي اللوح أو المغيبات «فهم يكتبون» منه ما يحكمون ويستغنون به عن علمك «فاصبر لحكم ربك» وهو امهالهم وتأخير نصرتك عليهم «ولا تكن كصاحب الحوت» اي يونس عليه السلام «إذ نادى» في بطن الحوت «وهو مكظوم» مملوء غيظا والجملة حال من ضمير نادى وعليها يدور النهي لا على النداء فإنه امر مستحسن ولذلك لم يذكر المنادى وإذ منصوب بمضاف محذوف اي لا يكن حالك كحاله وقت ندائه اي لا يوجد منك ما وجد منه من المضجر والمغاضبة فتبتلي ببلائه «لولا أن تداركه نعمة من ربه» وقرئ رحمة وهو توفيقه للتوبة وقبولها منه وحسن تذكير الفعل للفصل بالضمير وقرئ تداركته وتداركه أي تتداركه على حكاية الحال الماضية بمعنى لولا أن كان يقال تتداركه «لنبذ بالعراء» بالأرض الخالية من الأشجار «وهو مذموم» مليم مطرود من الرحمة والكرامة وهو حال من مرفوع نبذ عليها يعتمد جواب لولا لأنها هي المنتفية لا النبذ بالعراء كما مر في الحال الأولى والجملة الشرطية استئناف وارد لبيان كون المنهي عنه أمرا محذورا مستتبعا للغائلة وقوله تعالى «فاجتباه ربه» عطف على مقدر اي فتداركته نعمة من ربه فاجتباه بأن رد اليه الوحي وأرسله إلى
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة