تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٦
ممن يسمع أو يعقل «لو كنا نسمع» كلاما «أو نعقل» شيئا «ما كنا في أصحاب السعير» اي في عدادهم ومن اتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السعير كأن الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك «فاعترفوا بذنبهم» الذي هو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ورسله «فسحقا» بسكون الحاء وقرئ بضمها مصدر مؤكد اما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد كما في قعدك الله اي فأسحقهم الله اي ابعدهم من رحمته سحقا أي إسحاقا أو لفعل مترتب على ذلك الفعل أي فأسحقهم الله فسحقوا اي بعدوا سحقا اي بعدا كما في قول من قال أو عضة دهريا ابن مروان لم تدع من المال الا مسحت أو مجلف اي لم تدع فلم يبق الا مسحت الخ وعلى هذين الوجهين قوله تعالى وأنبتها نباتا حسنا واللام في قوله تعالى «لأصحاب السعير» للبيان كما في هيت لك ونحوه والمراد بهم الشياطين والداخلون في عدادهم بطريق التغليب «إن الذين يخشون ربهم بالغيب» اي يخافون عذابه غائبا عنهم أو غائبين عنه أو عن أعين الناس أو بما خفى منهم وهو قلوبهم «لهم مغفرة» عظيمة لذنوبهم «وأجر كبير» لا يقادر قدره «وأسروا قولكم أو اجهروا به» بيان لتساوي السر والجهر بالنسبة إلى علمه تعالى كما في قوله سواء منكم من أسر القول ومن جهر به قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبي عليه الصلاة والسلام فيوحى اليه عليه الصلاة والسلام فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كيلا يسمع رب محمد فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا به فان الله يعلمه وتقديم السر على الجهر للايذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدر منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة اليه تعالى أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به الا وهو أو مباديه مضمر في القلب يتعلق به الأسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقوله تعالى «إنه عليم بذات الصدور» تعليل لما قبله وتقرير له وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبيتها من الجزالة ما لا غاية وراءه كأنه قيل انه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدر والمعنى انه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها وقوله تعالى «ألا يعلم من خلق»
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة