تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٣٨
الصالحات على الاطلاق من المفتونين وغيرهم لهم بسبب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح جنات تجري من تحتها الأنهار ان أريد بالجنات الأشجار لجريان الأنهار من تحتها ظاهر وان أريد بها الأرض المشتعلة عليها فالتحية باعتبار جزئها الظاهر فان أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة وقد مر بيانه مرارا ذلك إشارة اما إلى الجنات الموصوفة والتذكير لتأويلها بما ذكر للاشعار بأن مدار الحكم عنوانها الذي يتنافس فيها المتنافسون فان اسم الإشارة متعرض لذات المشار اليه من حيث اتصافه بأوصافه المذكورة لا لذاته فقط كما هو الشأن الضمير فإذا أشير إلى الجنات من حيث ذكرها فقد اعتبر منها عنوانها المذكور حتما وأما إلى ما يفيده قوله تعالى لهم جنات الخ من حيازتهم لها فان حصولها لهم مستلزم لحيازتهم لها قطعا وأيا ما كان فما فيه من معنى البعد للايذان بعلو درجته وبعد منزلته في الفضل والشرف ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أي ذلك المذكور العظيم الشأن الفوز الكبير الذي تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فعلى الأول هو مصدر اطلق على المفعول مبالغة وعلى الثاني مصدر على حاله ان بطش ربك لشديد استئناف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ايذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام والبطش الأخذ بعنف وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام كقوله تعالى وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ان أخذه أليم شديد انه هو يبدئ ويعيد أي هو يبدئ الخلق وهو يعيده من غير دخل لأحد في شيء منهما ففيه مزيد تقرير لشدته بطشه أو هو يبدئ البطش بالكفرة في الدنيا ويعيده في الآخرة وهو الغفور لمن تاب وآمن الودود المحب لمن أطاع ذو العرش خالقه وقيل المراد بالعرش الملك أي ذو السلطنة القاهرة وقرئ ذي العرش على أنه صفة ربك المجيد العظيم في ذاته وصفاته فإنه واجب الوجود تام القدرة كامل الحكمة وقرئ بالجر على أنه صفة لربك أو للعرش ومجده علوه وعظمته فعال لما يريد بحيث لا يتخلف عن ارادته مراد من أفعاله تعالى وافعال غيره وهو خبر مبتدأ محذوف
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة