لا يشعرون بذلك «فتبسم ضاحكا من قولها» تعجبا من حذرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بنى نوعها وسرورا بشهرة حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة فيما بين أصناف المخلوقات التي هي أبعدها من إدراك أمثال هذه الأمور وابتهاجا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم مرادها روى أنها أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فامر سليمان عليه السلام الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن «وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك» أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأكفه وأرتبطه بحيث لا ينفلت عني حتى لا انفك عن شكرك أصلا وقرئ بفتح ياء أوزعني «التي أنعمت علي وعلى والدي» أدرج فيه ذكرهما تكثيرا للنعمة فإن الإنعام عليهما إنعام عليه مستوجب للشكر «وأن أعمل صالحا ترضاه» إتماما للشكر واستدامة للنعمة «وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» في جملتهم الجنة التي هي دار الصالحين «وتفقد الطير» أي تعرف أحوال الطير فلم يرا الهدهد فيما بينها «فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين» كأنه قال أولا مالي لا أراه لسائر ستره أو لسبب آخر ثم بدا له أنه غائب فأضرب عنه فأخذ يقول أهو غائب «لأعذبنه عذابا شديدا» قيل كان تعذيبه للطير بنتف ريشه وتشميسه وقيل يجعله مع ضده في قفص وقيل بالتفريق بينه وبين إلفه «أو لأذبحنه» ليعتبر به أبناء جنسه «أو ليأتيني بسلطان مبين» بحجة تبين عذره والحلف في الحقيقة على أحد الأولين على تقدير عدم الثالث وقرئ ليأتينني بنونين أولاهما مفتوحة مشددة قيل إنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره فوافي الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها فنزل ليتغذى ويصلى فلم يجد الماء وكان الهدهد قناقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فيجئ الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإهاب ويستخرجون الماء فتفقده لذلك وقد كان حين نزل سليمان عليه السلام حلق الهدهد فرأى هدهدا واقعا فانحط إليه فوصف له ملك سليمان عليه السلام وما سخر له من كل شيء وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثنى عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر وذلك قوله تعالى
(٢٧٩)